للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الشافِعيةُ: إنْ كانَ في يدِه مالٌ وجاءَ رَجلانِ وادَّعى كلٌّ أنَّه مُودِعُه، فإنْ قالَ المُودَعُ هو لكما فهو كمالٍ في يدِ شَخصينِ يَتداعَيانِه، فإنْ حلَفَ أَحدُهما قُضيَ له، ولا خُصومةَ للآخرِ معَ المُودَعِ لنُكولِه.

وإنْ نَكلا أو حلَفا جُعلَ بينَهما، وحُكمُ كلِّ واحدٍ منهما في النِّصفِ الآخرِ كالحُكمِ في الجَميعِ في حقِّ غيرِ المُقرِّ له (١).

الحالَةُ الثالِثةُ: أنْ يُقرَّ بها لأَحدِهما ولكنْ لا يَعرفَ عَينَ مالكِها:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو كانَت في يدِه وَديعةٍ وتَنازعَها اثنانِ، فادَّعى كلُّ واحدٍ منهما أنَّها مِلكَه وأنَّه أودَعَها إيَّاه، والمُودَعُ لا يَعرفُ عَينَ مالكِها منهما، فقالَ المُودَعُ: أودَعَها أَحدُكما، ولكنْ لا أَدري أيُّكما هو.

فقالَ الحَنفيةُ: لو كانَ في يدِه أَلفُ دِرهمٍ فجاءَه رَجلانِ وادَّعى كلُّ واحِدٍ منهما أنَّه أودَعَه إيَّاها، فقالَ المُودَعُ: «أودَعَها أَحدَكما ولسْتُ أَدري أيُّكما هو»، فهذا في الأَصلِ لا يَخلو مِنْ أَحدِ وَجهينِ:

إما إنِ اصطلَحَ المُتداعيانِ على أنْ يَأخُذا الأَلفَ وتَكونَ بينهما.

وإما إنْ لمْ يَصطلِحا وادَّعى كلُّ واحدٍ منهما أنَّ الأَلفَ له خاصَّةً لا لصاحِبِه.

فإنِ اصطلَحا على ذلك فلهما ذلك، وليسَ للمُودَعِ أنْ يَمتنعَ عن تَسليمِ الأَلفِ إليهما؛ لأنَّه أقَرَّ أنَّ الألَفَ لأَحدِهما، وإذا اصطلَحا على أنَّها تَكونُ بينَهما لا يُمنعانِ عن ذلك، وليسَ لهما أنْ يَستحلِفا المُودَعِ بعدَ الصُّلحِ.


(١) «روضة الطالبين» (٤/ ٥٩٩، ٦٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>