للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذا لا يَجوزُ أنْ يُدَّعى انحِصارُ حَديثِ رَسولِ اللهِ في دَواوينَ مُعيَّنةٍ.

ثم لو فُرضَ انحِصارُ حَديثِ رَسولِ اللهِ ، فليسَ كلُّ ما في الكُتبِ يَعلمُه العالِمُ، ولا يَكادُ ذلك يَحصُلُ لأحدٍ، بل قد يَكونُ عندَ الرَّجلِ الدَّواوينُ الكَثيرةُ، وهو لا يُحيطُ بما فيها، بل الذين كانوا قبلَ جَمعِ هذه الدَّواوينِ كانوا أعلَمَ بالسُّنةِ من المُتأخِّرينَ بكَثيرٍ؛ لأنَّ كَثيرًا ممَّا بلَغَهم وصَحَّ عندَهم قد لا يَبلُغُنا إلا عن مَجهولٍ أو بإِسنادٍ مُنقطِعٍ، أو لا يَبلُغُنا بالكُلِّيةِ، فكانَت دَواوينُهم صُدورَهم التي تَحوي أَضعافَ ما في الدَّواوينِ، وهذا أمرٌ لا يَشكُّ فيه مَنْ علِمَ القَضيةَ.

ولا يَقولَنَّ قائِلٌ بأنَّه مَنْ لم يَعرفِ الأَحاديثَ كلَّها لم يَكُنْ مُجتهِدًا؛ لأنَّه إنِ اشتُرِط في المُجتهدِ عِلمُه بجَميعِ ما قالَه النَّبيُّ ، وفِعلُه فيما يَتعلَّقُ بالأَحكامِ، فليس في الأُمةِ مُجتهدٌ، وإنَّما غايةُ العالِمِ أنْ يَعلمَ جُمهورَ ذلك ومُعظَمَه بحيث لا يَخفَى عليه إلا القَليلُ من التَّفصيلِ، ثم إنَّه قد يُخالِفُ ذلك القَليلَ من التَّفصيلِ الذي يَبلُغُه.

السَّببُ الثاني:

أنْ يَكونَ الحَديثُ قد بلَغَه، لكنَّه لم يَثبُتْ عندَه.

إمَّا لأنَّ مُحدِّثَه، أو مُحدِّثَ مُحدِّثِه، أو غيرَه من رِجالِ الإِسنادِ: مَجهولٌ عندَه، أو مُتَّهمٌ، أو سَيئُ الحِفظِ.

وإمَّا لأنَّه لم يَبلُغْه مُسنَدًا، بل مُنقطِعًا، أو لم يُضبَطْ لَفظُ الحَديثِ، مع

<<  <  ج: ص:  >  >>