أجمَعَ أهلُ العِلمِ على وُجوبِ القِصاصِ في قَتلِ العَمدِ، كما تقدَّمَ ذلكَ في كِتابِ الجِناياتِ بالتَّفصيلِ.
إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا هل الدِّيةُ عُقوبةٌ أصلِيةٌ في قَتلِ العَمدِ وأنَّ وَليَّ المَجنيِّ عليهِ مُخيَّرٌ بينَ القَودِ والدِّيةِ؟ أم لا تَجبُ الدِّيةُ إلا بالتَّراضي؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المَذهبِ والشافِعيةُ في قَولٍ والإمامُ أحمَدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ قتْلَ العَمدِ مُوجِبٌ للقَودِ، ولا تَجبُ الدِّيةُ إلا برِضَى الجاني، وإذا ماتَ الجاني سقَطَ القِصاصُ؛ لفَواتِ مَحلِّه، ولا تَجبُ الدِّيةُ.
وهذا لأنَّ مُوجبَ العَمدِ القَودُ عَينًا، فلا يَجبُ المالُ إلا بالصُّلحِ برِضَا القاتِلِ، بَيانُه قولُه تعالَى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥]، فلو وجَبَ المالُ أو أحَدُهما لا يَكونُ النَّفسُ بالنَّفسِ، وشَريعةُ مَنْ تَقدَّمَنا