للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّقبَى من الطَّرفَين:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو جعَلَ اثنانِ كلُّ واحِدٍ منهما دارَه للآخَرِ عُمرَه على أنَّه إذا ماتَ قبلَه عادَت إليه، هل تَصحُّ أو لا؟

فقالَ المالِكيةُ: إذا كانَ لاثنَينِ دارانِ -أو عَبدانِ أو دارٌ وعَبدٌ- وقالَ كلُّ واحِدٍ منهما لصاحِبِه في عَقدٍ واحِدٍ: «إنْ مِتَّ قبلِي فالدَّارانِ مَعًا لي -أي: فدارُك لي مَضمومةٌ لداري- وإنْ مِتُّ قبلَك فالدَّارانِ مَعًا لك -أي: فدارِي لك مَضمومةٌ لدارِك-»، وإنَّما مُنعَ لمَا فيه من الخُروجِ عن وَجهِ المَعروفِ إلى المُخاطرةِ؛ فإنْ وقَعَ ذلك واطُّلِعَ عليه قبلَ المَوتِ فُسخَ، وإنْ لم يُطَّلعْ عليه إلا بعدَ المَوتِ رجَعَت لوارِثِه مِلكًا، ولا تَرجعُ مَراجعَ الأَحباسِ لفَسادِ العَقدِ.

ومَحلُّ المَنعِ هذا إذا وقَعَ ما ذُكرَ من القَولَينِ في عَقدٍ واحِدٍ بأنْ وقَعَ أحدُهما في فَورِ الآخَرِ ودخَلا على ذلك، أمَّا لو قالَ أحدُهما لصاحِبِه ذلك ثم قالَ الآخَرُ مثلَ الأولِ فهو جائِزٌ؛ إذْ لا تُهمةَ فيه ويَكونُ هذا وَصيةً (١).

وقالَ الشافِعيةُ: لو جعَلَ رَجلانِ كلُّ واحِدٍ دارَه للآخَرِ عُمرَه على أنَّه إذا ماتَ قبلَه عادَت إلى صاحِبِ الدارِ أو غيرِه صَحَّت -أي: الصِّيغةُ- لمَا مَرَّ، وهي رُقبَى من الجانبَينِ.


(١) «شرح مختصر خليل» للخرشي (٧/ ١١٢)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٥٠٩)، و «حاشية الصاوي» (٩/ ٢٤٥)، و «تحبير المختصر» (٥/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>