للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختَلفَ مالكٌ وأَحمدُ في قَدرِ الكَفارةِ إذا حنِثَ وكانَ قد حلَفَ بالمُصحفِ. فقالَ مالكٌ: كَفارةٌ واحِدةٌ وهو مَذهبُ الشافِعيِّ.

وعن أَحمدَ رِوايتانِ: إِحداهُما: كمَذهبِ مالكٍ في إِيجابِ كَفارةٍ واحِدةٍ، والأُخرَى: يَلزمُه بكلِّ آيةٍ منه كَفارةٌ (١).

الحَلفُ بعَهدِ اللهِ ومِيثاقِ اللهِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ حلَفَ بعَهدِ اللهِ ومِيثاقِ اللهِ هل يُعتبَرُ يَمينًا مُنعقِدةً إذا حنِثَ وجَبَ عليه كَفارةُ يَمينٍ أم ليسَت بيَمينٍ إلا إذا نَوى بها اليَمينَ؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الحَلفَ بعَهدِ اللهِ أو بمِيثاقِ اللهِ بأنْ قالَ: «عليَّ عَهدُ اللهِ» أو «علي مِيثاقُ اللهِ» يَمينٌ مُنعقِدةٌ إذا حنِثَ وجَبَ عليه كَفارةُ اليَمينِ لقولِه تَعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ [النحل: ٩١]، فسمَّى العَهدَ يَمينًا وَنهى عن نَقدِه بعدَ تَوكيدِه، والمِيثاقُ عِبارةٌ عن العَهدِ، ولأنَّ عائِشةَ حلَفَت بالعَهدِ أنْ لا تُكلِّمَ ابنَ الزُّبيرِ فلمَّا كلَّمتْه أَعتَقت أَربَعينَ رَقبةً، وكانَت إذا ذَكرَته تَبكي وتَقولُ: واعَهداهُ، ولأنَّ عهدَ اللهِ يَحتِملُ كَلامَه الذي أمَرَنا به ونَهانا كقولِه تَعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ﴾ [يس: ٦٠]، وكَلامُه قَديمٌ صِفةٌ له، ويَحتَملُ أنَّه استِحقاقُه لِما تَعبدْنا به وقد ثبَتَ له عُرفُ الاستِعمالِ فيَجبُ أنْ يَكونَ يَمينًا بإِطلاقِه كما لو قالَ: «وكَلامِ اللهِ».


(١) «الإفصاح» (٢/ ٣٦٧، ٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>