للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالةُ الثالِثةُ: أنْ يُفطِرَ قبلَ مُغادَرةِ بَلدِه:

اتَّفَق فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّه لا يَجوزُ لِمَنْ أرادَ السَّفرَ أنْ يُفطِرَ قبلَ أنْ يُغادِرَ مَحلَّ إقامَتِه؛ لأنَّ رُخصةَ السَّفرِ لا تَتحقَّقُ بدُونِه، كما لا تَبقى بدُونِه، ولَمَّا يَتحقَّقِ السَّفرُ بَعدُ، بل هو مُقيمٌ وشاهِدٌ، وقد قال اللهُ تَعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، وهذا شاهِدٌ ولا يُوصَفُ بكَونِه مُسافِرًا حتى يَخرُجَ من البَلدِ، ومهما كان في البَلدِ فله أحكامُ الحاضِرين، ولذلك لا يَقصُرُ الصَّلاةَ (١)، وقد تَقدَّم بَيانُ ذلك.

ويَتَّصِلُ بهذه المَسائِلِ في إفطارِ المُسافِرِ:

مَنْ نَوى الصَّومَ لَيلاً وهو مُسافِرٌ وأصبَح صائِمًا:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو نَوى في سَفرِه الصَّومَ لَيلًا، وأصبَح صائِمًا، مِنْ غَيرِ أنْ يَنقُضَ عَزيمَتَه قبلَ الفَجرِ هل يَحِلُّ له الفِطرُ أو لا؟

فذهَب الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في وَجهٍ إلى أنَّه لا يَحِلُّ له الفِطرُ في ذلك اليَومِ، ولو أفطَر لا تَجِبُ عليه الكَفَّارةُ لِلشُّبهةِ.

وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ : كان مالِكٌ يُوجِبُ عليه القَضاءَ والكَفَّارةَ، وقد رُوي عنه أنَّه لا كَفَّارةَ عليه، وهو قَولُ أكثَرِ أصحابِه إلا عَبدَ المَلِكِ؛ فإنَّه قال: مَنْ أفطَر بجِماعٍ كَفَّرَ؛ لأنَّه لا يَقوَى بذلك على سَفرِه ولا عُذْرَ له، وعلى ذلك مَذاهِبُ سائِرِ الفُقهاءِ بالحِجازِ والعِراقِ أنَّه لا كَفَّارةَ عليه.


(١) «المغني» (٤/ ١٤٢)، و «التمهيد» (٢٢/ ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>