للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا تَصدَّق الإِنسانُ بَجميعِ مالِه هل يُجزِئُه عن الزَّكاةِ؟

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ وجَبَت عليه الزَّكاةُ فتَصدَّقَ بجَميعِ مالِه ولم يَنوِ به الزَّكاةَ هل تُجزِئُه أو لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا تُجزِئُه؛ لأنَّه لم يَنوِ به الفَرضَ فلم يُجزِئْه كما لو تَصدَّقَ ببَعضِه، وكما لو صلَّى مِئةَ رَكعةٍ ولم يَنوِ الفَرضَ به، ويَلزمُه إِخراجُ ما وجَبَ عليه.

قال المالِكيةُ: لو تَصدَّقَ بجُملةِ مالِه فإنْ نَوى زَكاةَ مالِه وما زادَ فهو تَطوُّعٌ أجزَأَ، وله الفَضلُ كمَن أطعَمَ في كَفَّارتِه مِئةَ مِسكينٍ، وإنْ لم يَنوِ بشَيءٍ منه الزَّكاةَ لم يَجزْ؛ لأنَّه يَجبُ عليه فِعلُ الفَرضِ وهو لم يَنوِه فأشبَهَ ما لو صلَّى مِئةَ رَكعةٍ بنيَّةِ التَّطوُّعِ فإنَّه لا يُجزِئُه عن فَرضٍ (١).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : لو تَصدَّقَ بجَميعِ مالِه ولم يَنوِ الزَّكاةَ لم تَسقُطْ عنه الزَّكاةُ بلا خِلافٍ كما لو وهَبَه أو أتلَفه، وكما لو كانَ عليه صَلاةُ فَرضٍ فصَلَّى مِئةَ صَلاةِ نافِلةٍ لا يُجزِئُه بلا خِلافٍ، هذا مَذهبُنا.

وقالَ أَصحابُ أَبي حَنيفةَ: يُجزِئُه، ولو تَصدَّقَ ببَعضِه لم يُجزِئْه أيضًا عن الزَّكاةِ وبه قالَ أبو يُوسفَ. وقالَ مُحمدٌ: يُجزِئُه عن زَكاةِ ذلك البَعضِ.

ولو أخرَجَ خَمسةَ دَراهمَ ونَوى بها الفَرضَ والتَّطوُّعَ لم يُجزِئْه عن الزَّكاةِ، وكانَت تَطوُّعًا. وبه قالَ مُحمدٌ وقالَ أبو يُوسفَ: تُجزِئُه عن الزَّكاةِ. دَليلُنا أنَّها لم تُمحَّضْ لِلفَرضِ فلم تَصحَّ عنه كالصَّلاةِ واللهُ أعلمُ.


(١) «الذخيرة» (٣/ ١٣٧)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٣٥٧) ط: دار الفكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>