المُسلمينَ ولم يَصيرُوا بذلكَ مُسلمينَ، وأما الصِّيامُ فلكُلِّ أهلِ دِينٍ صِيامٌ، ولأنَّ الصِّيامَ ليسَ بفِعلٍ، إنما هو إمساكٌ عن أفعالٍ مَخصوصةٍ في وَقتٍ مَخصوصٍ، وقد يَتفِقُ هذا مِنْ الكافِرِ كاتفاقِه مِنْ المُسلمِ، ولا عِبرةَ بنيَّةِ الصيامِ؛ لأنها أمرٌ باطِنٌ لا عِلمَ لنا به، بخلافِ الصَّلاةِ؛ فإنها أفعالٌ تَتميزُ عن أفعالِ الكفَّارِ ويَختصُّ بها أهلُ الإسلامِ، ولا يَثبتُ الإسلامُ حتى يأتِيَ بصَلاةٍ يَتميزُ بها عن صَلاةِ الكفارِ مِنْ استِقبالِ قِبلتنِا والرُّكوعِ والسُّجودِ، ولا يَحصلُ بمُجرَّدِ القيامِ؛ لأنهُم يَقومونَ في صَلاتِهم.
ولا فرْقَ بينَ الأصليِّ والمُرتدِّ في هذا؛ لأنَّ ما حصَلَ به الإسلامُ في الأصليِّ حصَلَ به في حَقِّ المُرتدِّ كالشهادتَينِ، فعَلى هذا لو ماتَ المُرتدُّ فأقامَ وَرثتُه بيِّنةً أنه صلَّى بعدَ رِدتِه حُكمَ لهُم بالمِيراثِ، إلا أنْ يَثبتَ أنه ارتَدَّ بعدَ صَلاتِه أو تَكونَ رِدتُه بجَحدِ فَريضةٍ أو كِتابٍ أو نَبيٍّ أو مَلكٍ أو نحوِ ذلكَ مِنْ البِدعِ التي يَنتسبُ أهلُها إلى الإسلامِ؛ فإنه لا يُحكَمُ بإسلامِه بصَلاتِه؛ لأنه يَعتقدُ وُجوبَ الصَّلاةِ ويَفعلُها مع كُفرِه، فأشبَهَ فِعلَه غيرَها، واللهُ أعلَمُ (١).
إذا أُكرهَ على الإسلامِ مَنْ لا يَجوزُ إكراهُه لم يَثبتْ له حُكمُ الإسلامِ:
اختَلفَ الفُقهاءُ فيمَن أُكرِهَ على الإسلامِ وهو لا يَجوزُ إكراهُه عليهِ كالذِّميِّ والمُستأمنِ، هل يَصحُّ إسلامُه؟ وإذا ارتَدَّ بعدَ ذلكَ هل يُقتلُ أم لا؟
فذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى أنه إذا أُكرهَ على الإسلامِ مَنْ لا يَجوزُ إكراهُه كالذِّميِّ والمُستأمنِ فأسلَمَ لم يَثبتْ له حُكمُ الإسلامِ حتى يُوجَدَ منه
(١) «المغني» (٩/ ٢٨، ٣٠)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٩٧).