قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وهذا قَولُ الشافِعيِّ ومُحمدِ بنِ الحَسنِ في الفَصلِ كلِّه، وحُكيَ عن أَبي حَنيفةَ أنَّ الأجرَ للغاصِبِ دونَ صاحِبِ الدارِ، وهذا فاسِدٌ لأنَّ الأجرَ عِوضُ المَنافعِ المَملوكةِ لرَبِّ الدارِ، فلم يَملِكْها الغاصِبُ كعِوضِ الأَجزاءِ (١).
المَسألةُ الرابِعةُ: إذا أودَعَ الغاصِبُ المَغصوبَ عندَ آخَرَ فتلِفَ:
الغاصِبُ إذا أودَعَ المَغصوبَ عندَ آخَرَ فإنْ كانَ يَعلَمُ بالغَصبِ فتلِفَت عندَه فالضَّمانُ عليه عندَ أكثَرِ الفُقهاءِ؛ لأنَّه قبَضَ مالَ غيرِه بغيرِ إِذنِه، وإنْ لم يَعلَمْ فلا ضَمانَ عليه عندَ المالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابِلةِ، وعندَ الحَنفيةِ المالِكُ مُخيَّرٌ في أنْ يُضمِّنَ أيَّهما شاءَ، فإنْ ضمَّنَ المُودَعَ رجَعَ على الغاصِبِ لأنَّه غَرَّه.
قالَ الحَنفيةُ: ولو أودَعَ الغاصِبُ المَغصوبَ فهلَكَ في يَدِ المُودَعِ يَتخيَّرُ المالِكُ في تَضمينِ أيِّهما شاءَ، أمَّا الغاصِبُ فظاهِرٌ، وأمَّا المُودَعُ فلقَبضِه منه بلا رِضا مالِكِه.
فإنْ ضمَّنَ الغاصِبَ لا يَرجعُ بالضَّمانِ على أحدٍ؛ لأنَّه تبيَّنَ أنَّه أودَعَ مِلكَ نَفسِه وإنْ ضمَّنَ المُودَعَ يَرجعُ على الغاصِبِ؛ لأنَّه غَرَّه بالإِيداعِ فيَرجعُ عليه بضَمانِ الغَررِ، وهو ضَمانُ الالتِزامِ في الحَقيقةِ.
ولو استَهلكَه المُودَعُ فالجَوابُ على القَلبِ من الأولِ أنَّه إنْ ضمَّنَ الغاصِبَ فالغاصِبُ يَرجعُ بالضَّمانِ على المُودَعِ؛ لأنَّه تبيَّنَ أنَّه استَهلكَ
(١) «المغني» (٥/ ١٥٨)، و «الكافي» (٢/ ٤٠٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute