للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى صار في أيديهم ثم خانَهم أو لم يَدُلَّهم فاستَبانَت لهم خيانَتُه فقد بَرِئت منه الذِّمةُ، وصارَ الرأيُ فيه إلى الإمامِ إنْ شاء قتَلَه وإنْ شاءَ جعَله فَيئًا؛ لأنَّ الشَّرطَ هكذا جَرى بينَهم، فقالَ : «المُسلِمونَ عندَ شُروطِهم»، وقالَ عُمرُ : الشَّرطُ أملَكُ. أي: يَجبُ الوَفاءُ به، ولأنَّه كانَ مُباحَ الدَّمِ، عَلَّقوا حُرمةَ دَمِه بالدِّلالةِ وتَركِ الخِيانةِ، وتَعليقُ أسبابِ التَّحريمِ بالشَّرطِ صَحيحٌ كالطَّلاقِ والعِتاقِ؛ فإنِ انعَدَم الشَّرطُ بَقيَ حِلُّ دَمِه على ما كانَ، ولأنَّ النَّبذَ بعدَ الأمانِ والإعادةِ إلى مأمَنِه إنَّما كانَ مُعتبَرًا للتَّحرُّزِ عن الغَدرِ، وبالتَّصريحِ بالشَّرطِ قد انتَفى مَعنى الغَدرِ (١).

دُخولُ الحَربيِّ دارَ الإسلامِ بغيرِ أمانٍ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الحَربيِّ يَدخُلُ دارَ الإسلامِ بغيرِ تِجارةٍ ولم يَدَّعِ أمانًا ما يَكونُ أمرُه؟ هل يَجوزُ قَتلُه أو لا؟ أو هو فَيءٌ لعُمومِ المُسلِمينَ أو هو لمَن وجَدَه خاصةً؟

قالَ الإمامُ مالِكٌ : يَتخيَّرُ فيه الإمامُ، وحُكمُه حُكمُ أهلِ الحَربِ.

وقالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ وأحمدُ في رِوايةٍ: هو فَيءٌ للمُسلِمينَ؛ لأنَّه مما لم يُوجَفْ عليه بخَيلٍ ولا رِكابٍ، والفَيءُ للإمامِ يَصنَعُ فيه ما شاءَ، حيثُ شاءَ فيَتخيَّرُ الإمامُ فيه كالأسيرِ، ولا يَختصُّ به الآخِذُ؛ لأنَّه وُجدَ سَببُ ثُبوتِ المِلكِ لعامةِ المُسلِمينَ في محَلٍّ قابِلٍ للمِلكِ وهو المُباحُ فيَصيرُ مِلكًا للكُلِّ، كما إذا استَولى جَماعةٌ على صَيدٍ.


(١) «شرح السير الكبير» (١/ ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>