جُمهورِ الفُقهاءِ فلأنَّ الوَعدَ لا يَلزَمُ الواعِدَ أصلًا، وأمَّا عندَ المالِكيَّةِ القائِلينَ بوُجوبِه في الحالةِ المُشارِ إليها فلأنَّ المُقرَّرَ عندَهم أنَّ المَعروفَ لازِمٌ لِمَنْ أوجَبَه على نَفْسِه، ما لَم يَمُتْ أو يُفلِسْ، وبِالمَوتِ سقَط التِزامُه وتَلاشى، فلا يُؤخَذُ مِنْ تَرِكَتِه شَيءٌ لِأجْلِه.
قالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: والمَعروفُ على مَذهبِ مالِكٍ وجَميعِ أصحابِه لازِمٌ لِمَنْ أوجَبَه على نَفْسِه، يَحكُمُ به عليه ما لَم يَمُتْ أو يُفلِسْ (١).
مَدَى إلزاميَّةِ الوَعدِ في بَيعِ المُرابَحةِ:
سبَق الكَلامُ عن حُكمِ الوَعدِ عُمومًا، وأمَّا الوَعدُ ومَدَى إلزاميَّتِه في المُرابَحةِ الآمِرةِ بالشِّراءِ فقد نصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ أيضًا على أنَّه لا يَلزَمُ الوَفاءُ بها؛ لأنَّه إذا لَم يَلزَمِ الوَعدُ أصلًا، فلَأنْ يَكونَ لا يَلزَمُ في المُرابَحةِ الآمِرةِ بالشِّراءِ مِنْ بابِ أوْلَى؛ لأنَّ فيها شَيئًا قد يَغفُلُ عنه كَثيرونَ، وهو أنَّ هذا يُعَدُّ بَيعًا قبلَ أنْ يَملِكَه، وهو ما نصَّ عليه الإمامُ الشافِعيُّ، حيثُ قالَ ﵀: وإذا أرَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ السِّلعةَ فقالَ: اشتَرِ هذه وأُربِحُكَ فيها كذا، فاشتَراها الرَّجُلُ فالشِّراءُ جائِزٌ، والَّذي قالَ: أُربِحُكَ فيها بالخِيارِ، إنْ شاءَ أحدَثَ فيها بَيعًا، وإنْ شاءَ ترَكه، وهكذا إنْ قالَ: اشتَرِ لي مَتاعًا، ووصَفه له، أو مَتاعًا أيَّ مَتاعٍ شِئتَ، وأنا أُربِحُكَ فيه، فكلُّ هذا سَواءٌ، يَجوزُ البَيعُ الأوَّلُ، ويَكونُ هذا فيما أعطَى مِنْ نَفْسِه بالخيارِ، وسَواءٌ في هذا ما وُصِفَ، إنْ كانَ قالَ: ابتَعْه وأنا أشتَريه مِنْكَ بنَقدٍ، أو دَيْنٍ، يَجوزُ البَيعُ الأوَّلُ،