للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالَ عمرُ : هو لَكَ. فاشتَراه ثم قالَ: «هو لَكَ يا عَبدَ اللَّهِ، فاصنَعْ به ما شِئتَ» (١)، وهذا يَدلُّ على أنَّ التَّصرُّفَ قبلَ التَّفرُّقِ جائِزٌ، وذكَر أصحابُنا في صِحَّةِ تَصرُّفِ المُشتَري بالوَقفِ وَجهًا آخَرَ؛ لأنَّه تَصرُّفٌ يُبطِلُ الشُّفعةَ، فأشبَهَ العِتقَ، والصَّحيحُ أنَّه لا يَصحُّ شَيءٌ مِنْ هذه التَّصرُّفاتِ؛ لأنَّ المَبيعَ به حَقُّ البائِعِ تَعلُّقًا يَمنَعُ جَوازَ التَّصرُّفِ فمنَع صِحَّتَه، كالرَّهنِ، ويُفارِقُ الوَقفُ العِتقَ؛ لأنَّ العِتقَ مَبنيٌّ على التَّغليبِ والسِّرايةِ، بخِلافِ الوَقفِ، وأمَّا حَديثُ ابنِ عمرَ فليسَ فيه تَصريحٌ بالبَيعِ، فإنَّ قَولَ عمرَ: هو لَكَ، يَحتمِلُ أنَّه أرادَ هِبةً، وهو الظَّاهِرُ، فإنَّه لَم يَذكُرْ ثَمَنًا، والهِبةُ لا يثبُتُ فيها الخيارُ.

وقالَ الشافِعيُّ: تَصرُّفُ البائِعِ في المَبيعِ بالبَيعِ والهِبةِ، والبائِعُ يَملِكُ فَسخَه، فجُعِلَ البَيعُ والهِبةُ فَسخًا، وأمَّا تَصرُّفُ المُشتَري فلا يَصحُّ إذا قُلنا: المِلْكُ لِغيرِه.

ولَنا: على إبطالِ تَصرُّفِ البائِعِ أنَّه تَصرَّفٌ في مِلكِ غيرِه بغيرِ وِلايةٍ شَرعيَّةٍ ولا نيابةٍ عُرفيَّةٍ؛ فلَم يَصحَّ، كما بعدَ الخيارِ.

قَولُهم: يَملِكُ الفَسخَ، قُلنا: إلَّا أنَّ ابتِداءَ التَّصرُّفِ لَم يُصادِف مِلكَه، فلَم يَصحَّ، كتَصرُّفِ الأبِ فيما وُهِبَ لِوَلَدِه قبلَ استِرجاعِه، وتَصرُّفِ الشَّفيعِ في الشِّقصِ المَشفوعِ قبلَ أخْذِه.

فَصلٌ: وإنْ تَصرَّفَ المُشتَري بإذْنِ البائِعِ، أو البائِعُ بوَكالةِ المُشتَري، صَحَّ التَّصرُّفُ وانقطَع خِيارُهما؛ لأنَّ ذلك يَدلُّ على تَراضيهما بإمضاءِ


(١) رواه البخاري (٢٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>