للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرطُ الثالِثُ: أنْ لا يَعودَ الوَقْفُ على نَفسِه:

اختَلفَ الفُقهاءُ في الوَقفِ هل يُشترطُ لصِحتِه أنْ لا يَعودَ الوَقفُ على نَفسِ الواقفِ؟ أم يَجوزُ للإنسانِ أنْ يَقفَ على نَفسِه أو أنْ يَشترطَ الغَلةَ لنَفسِه؟

أ- وَقفُ الإنسانِ على نَفسِه:

اختَلفَ الفُقهاءُ في صِحةِ وَقفِ الإنسانِ على نَفسِه، هل يَصحُّ أم لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ في الأصَحِّ والحَنابلةُ في المَذهبِ ومُحمدُ بنُ الحَسنِ مِنْ الحَنفيةِ إلى أنه لا يَصحُّ وَقفُ الإنسانِ على نَفسِه؛ لأنَّ الوَقفَ تَمليكٌ إمَّا للرَّقبةِ أو المَنفعةِ، وكِلاهُما لا يَصحُّ هُنا؛ إذْ لا يجوزُ له أنْ يُملِّكَ نفسَه مِنْ نَفسِه كبَيعه مالَه مِنْ نَفسِه، ولقَولِه : «حَبِّسِ الأصلَ وسَبِّلِ الثَّمرةَ» (١)، وبتَسبيلِ الثَّمرةِ يَمَعُ أنْ يَكونَ له فيها حقٌّ، ولأنَّ الوَقفَ صَدقةٌ، ولا تَصحُّ صَدقةُ الإنسانِ على نَفسِه، ولأنَّ الوقفَ عقدٌ يَقتضي زوالَ المِلكِ، فصارَ كالبَيعِ والهبةِ، فلمَّا لم تَصحَّ مُبايَعةُ نَفسِه ولا الهِبةُ بها لم يَصحَّ الوَقفُ عليها، ولأنَّ استِثناءَ مَنافعِ الوَقفِ لنَفسِه كاستِثنائِه في العِتقِ أحكامَ الرِّقِّ لنَفسِه، فلمَّا لم يَجُزْ هذا في العِتقِ لم يَجُزْ مثلُه في الوَقفِ، ولأنَّ الوقفَ يُوجِبُ إزالةَ مِلكٍ واستِحداثَ غيرِه، وهو إذا وقَفَ على نَفسِه لم يُزِلْ بالوقفِ مِلكًا ولا استَحدثَ به مِلكًا، فلم يَجُزْ أنْ يَصيرَ وَقفًا (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقدَّمَ.
(٢) «الإشراف» (٣/ ٢٥٣) رقم (١٠٩٦)، و «المعونة» (٢/ ٤٩٢، ٤٩٣)، و «الحاوي الكبير» (٧/ ٥٢٥)، و «البيان» (٨/ ٦٦)، و «روضة الطالبين» (٤/ ١٣٧)، و «المحرر في الفقه» (١/ ٣٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>