وفي وَجهٍ يَحفَظُه الإمامُ حتى يَظهَرَ مالِكُه لأنَّه بإقرارِه خَرَجَ عن مِلكِه ولم يَدخُلْ في مِلكِ المُقَرِّ له، وكُلُّ واحِدٍ منهما يُنْكِرُ مِلكَه فهو كالمالِ الضّائِعِ.
فإنْ عادَ المُقَرُّ له وصَدَّقَ المُقِرَّ بما أقَرَّ به فلا يُقبَلُ رُجوعُه لأنَّه مُكذِّبٌ لنَفسِه.
وإنْ عادَ المُقِرُّ فادَّعَى المُقَرَّ به لنَفسِه أو ادَّعاه لثالِثٍ؛ قُبِلَ منه ذلك؛ لأنَّه في يَدِه -ولا مَعارِضَ له فيه- ولا يُقبَلُ بَعدَ دَعوى المُقَرِّ به لنَفسِه أو لثالِثٍ عَودُ المُقَرِّ له أوَّلًا إلى دَعواه، وكذا لو كانَ عَودُه إلى دَعواه قبلَ دَعوى المُقَرِّ به لنَفسِه أو غَيرِه لأنَّه مُكذِّبٌ لنَفسِه (١).
الشَّرطُ الثانِي: أنْ يَكونَ المُقَرُّ له مَعلومًا غيرَ مَجهولٍ:
اشتَرَطَ فُقَهاءُ الحَنفيةِ والشافِعيةِ والحَنابِلةِ في المُقَرِّ له أنْ يَكونَ مَعلومًا مُعيَّنًا غيرَ مَجهولٍ، قالَ الحَنفيةُ: يُشتَرطُ في المُقَرِّ له ألَّا يَكونَ مَجهولًا جَهالةً فاحِشةً أمَّا الجَهالةُ اليَسيرةُ فلا تَكونُ مانِعةً لصِحةِ الإِقرارِ، مَثَلًا لو أقَرَّ أحَدٌ بأنَّ هذا المالَ لرَجُلٍ، مُشيرًا إلى مالٍ مُعيَّنٍ في يَدِه، أو أقَرَّ قائِلًا: إنَّ هذا المالَ هو لأحَدٍ مِنْ أهلِ البَلدةِ الفُلانيةِ، ولم يَكنْ أهالي تلك البَلدةِ مَعدودينَ فلا يَصحُّ إقرارُه.
أمَّا لو قالَ: إنَّ هذا المالَ هو لأحَدِ هذَينِ الرَّجلَينِ، أو لأحَدٍ مِنْ أهالي المَحَلةِ الفُلانيةِ، وكانَ أهالي تِلكَ المَحَلةِ قَومًا مَحصورينَ فيَصِحُّ إقرارُه.
(١) «الكافي» (٤/ ٥٧٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٧٢٨)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٦٦٥)، و «منار السبيل» (٣/ ٥٣٣).