المَسألةُ الرَّابِعةُ: استِئجارُ المُسلِمِ لِحَملِ الخَمرِ أو الخِنزيرِ:
ذَهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، المالِكيَّةُ والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ والصَّاحِبانِ مِنْ الحَنفيَّةِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ إلى أنَّه لا يَجوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يُستأجَرَ لِحَملِ خَمرٍ، سواءٌ كانَ لِنَصرانيٍّ أو لِمُسلِمٍ؛ «لأنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَعَنَ في الخَمرِ عَشَرةً، وعَدَّ منها حامِلَها»؛ ولأنَّه إعانةٌ على المَعصيةِ، لأنَّ الخَمرَ تُحمَلُ لِلشُّربِ، وهو مَعصيةٌ، والاستِئجارُ على المَعصيةِ لا يَجوزُ، وقد قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢]؛ ولأنَّه عَقدٌ على إجارةٍ على فِعلِ مَحظورٍ، فلَم يَجُزْ، أصْلُه إذا اكتَرى غُلامًا لِيَلوطَ به، أو أَمَةً لِيَزنيَ بها.
وَجاءَ في «المُدوَّنةِ»: ما جاءَ في إجارةِ الخَمرِ:
قُلتُ: أرَأيتَ مُسلِمًا آجَرَ نَفْسَه مِنْ نَصرانيٍّ يَحمِلُ له خَمرًا على دابَّتِه، أو على نَفْسِه، أيَكونُ له مِنْ الأجْرِ شَيءٌ، أم تَكونُ له إجارةُ مِثلِه؟ قالَ: قالَ مالِكٌ: لا تَصلُحُ هذه الإجارةُ، ولا أرَى مِنْ الإجارةِ التي سَمَّى، ولا مِنْ إجارةِ مِثلِه، قَليلًا ولا كَثيرًا؛ لأنَّ مالِكًا قالَ لي في الرجُلِ المُسلِمِ يَبيعُ خَمرًا: لا أرَى أنْ يُعطَى مِنْ ثَمنِها قَليلًا ولا كَثيرًا؛ فالكِراءُ عِندي بهذه المَنزِلةِ، لا أرَى أنْ يُعطَى مِنْ الإجارةِ قَليلًا ولا كَثيرًا.
قُلتُ لَهُ: وكذلك إنْ آجَرَ حانُوتَه مِنْ نَصرانيٍّ يَبيعُ فيه خَمرًا؟ قالَ: قالَ مالِكٌ: لا خَيرَ في ذلك، وأرَى الإجارةَ باطِلةً.
قالَ ابنُ القاسِمِ ﵀: فأرَى كلَّ مُسلِمٍ آجَرَ نَفْسَه أو غُلامَه أو دَابَّتَه أو دارَه أو بَيتَه أو شَيئًا ممَّا يَملِكُه في شَيءٍ مِنْ الخَمرِ، فلا أرَى له مِنْ الإجارةِ