للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالِثًا: الكَلامُ في الصَّلاةِ نِسيانًا أو جَهلاً:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيمَن تَكلَّمَ ناسِيًا في الصَّلاةِ أو جاهِلًا، هل تَصحُّ صَلاتُه أو تبطُلُ؟

فذَهب المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّ مَنْ تَكلَّمَ في صَلاتِه ناسِيًا أو جاهِلًا بكَلامٍ قَليلٍ لا تبطُلُ صَلاتُه؛ لأنَّ النَّبيَّ تَكلَّمَ في حَديثِ ذي اليَدينِ؛ ولم يَأمُر مُعاويةَ بنَ الحَكَمِ بالإعادةِ إذ تَكلَّمَ جاهِلًا، وما عُذِرَ فيه بالجَهلِ عُذرَ فيه بالنِّسيانِ.

فرَوى مُسلِمٌ عن مُعاويةَ بنِ الحَكَمِ السُّلمِيِّ قال: «بينَا أنا أُصَلِّي معَ رَسولِ اللهِ إِذْ عَطَسَ رَجلٌ من القَومِ، فقُلتُ: يَرحَمُكَ اللهُ. فَرَمانِي القَومُ بأَبصَارِهِم؛ فقُلتُ: واثُكلَ أُمِّيَاهُ! ما شَأنُكُم تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟ فجَعَلُوا يَضرِبُونَ بأَيدِيهِم على أَفخَاذِهِم، فلمَّا رأَيتُهم يُصَمِّتُونَنِي لَكنِّي سَكَتُّ، فلمَّا صلَّى رَسولُ اللَّهِ فَبأَبِي هو وَأُمِّي ما رَأيتُ مُعَلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسَنَ تَعليمًا منه؛ فوَاللَّهِ ما كَهَرَنِي ولا ضَرَبَنِي ولا شَتَمَنِي، قالَ: إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يَصلُحُ فيها شَيءٌ من كلَامِ النَّاسِ، إنما هو التَّسبيحُ وَالتَّكبيرُ وَقِراءَةُ القُرآنِ»، أو كما قالَ رَسولُ اللَّهِ … الحَديثَ (١).

ولقولِه : «رُفِعَ عن أُمَّتِي الخَطأُ والنِّسيانُ»، وحَديثِ ذي اليَدينِ أنَّه قال: أقُصِرَتِ الصَّلاةُ يا رَسولَ اللهِ أم نَسيتَ؟ فقالَ: «كلُّ ذلك لم يكن»، ومَوضِعُ الدَّليلِ أنَّه تَكلَّمَ ساهِيًا وعندَه أنَّه قَدْ فرغَ مِنْ


(١) رواه مُسلِم (٥٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>