بينَ هذهِ الشُّبهةِ وبينَ ما يَذكرونَه ظهَرَ لكَ التفاوتُ، فأينَ شُبهةُ كَونِ المَسروقِ ممَّا يسرعُ إليه الفَسادُ، وكونِ أصلِه على الإباحةِ كالماءِ، وشُبهةُ القَطعِ بهِ مرَّةً، وشُبهةُ دعوَى مِلكِه بلا بيِّنةٍ، وشُبهةُ إتلافِه في الحِرزِ بأكلٍ أو احتِلابٍ مِنْ الضَّرعِ، وشُبهةُ نُقصانِ ماليَّتِه في الحِرزِ بذَبحٍ أو تَحريقٍ ثمَّ إخراجِه، وغيرِ ذلكَ مِنْ الشُّبَهِ الضَّعيفةِ جدًّا إلى هذهِ الشُّبهةِ القويةِ؟ لا سِيَّما وهو مَأذونٌ له في مُغالَبةِ صاحبِ المالِ على أخذِ ما يَسدُّ رمَقَه.
وعامُ المَجاعةِ يَكثرُ فيه المَحاويجُ والمُضطرُّونَ، ولا يَتميزُ المُستغنِي منهم والسارقُ لغيرِ حاجةٍ مِنْ غيرِه، فاشتَبَه مَنْ يَجبُ عليه الحَدُّ بمَن لا يَجبُ عليهِ، فدُرئَ، نعمْ إذا بانَ أنَّ السارقَ لا حاجةَ به وهو مُستَغنٍ عن السرقةِ قُطعَ (١).
السارقُ قد يَكونُ أصلًا للمَسروقِ منه، وقد يَكونُ فَرعًا للمَسروقِ منه، وقد تَكونُ بينَهُما صِلةُ قَرابةٍ أُخرى، وقد تكونُ بينَهُما رابطةُ زَوجيةٍ، ولكلِّ واحدٍ مِنْ هؤلاءِ حُكمُه، وبَيانُ ذلكَ فيما يلي:
أولًا: سَرقةُ الأصلِ مِنْ الفَرعِ:
اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ على أنه لا قطْعَ على الوالدِ وإنْ عَلا إذا سرَقَ مِنْ مالِ وَلدِه وإنْ سفَلَ، وسواءٌ في ذلكَ الأبُ والأمُّ أو الجَدُّ والجَدةُ مِنْ قِبلِ الأبِ أو الأمِّ.