للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هلِ التَّعزيرُ واجِبٌ أم مُباحٌ؟

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما إذا ارتَكبَ إنسانٌ مَعصيةً لا حَدَّ فيها ولا كفَّارةَ، هل التَّعزيرُ يكونُ واجِبًا أم مُستحَبًّا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ التعزيرَ فيما شُرعَ فيه التعزيرُ واجِبٌ.

قالَ الحَنفيةُ: التعزيرُ فيما شُرعَ فيهِ التعزيرُ إذا رآهُ الإمامُ واجِبٌ، وسَببُ وُجوبِه ارتكابُ جِنايةٍ ليس لها حَدٌّ مُقدَّرٌ في الشرعِ، سَواءٌ كانَتِ الجِنايةُ على حَقِّ اللهِ كتَركِ الصلاةِ والصَّومِ ونحوِ ذلكَ، أو على حقِّ العبدِ بأنْ آذَى مُسلمًا بغيرِ حَقٍّ بفعلٍ أو بقَولٍ يَحتملُ الصِّدقَ والكَذبَ بأنْ قالَ له: «يا خَبيثُ، يا فاسِقُ، يا سارِقُ، يا فاجِرُ، يا كافِرُ، يا آكِلَ الرِّبا، يا شارِبَ الخَمرِ» ونحوَ ذلكِ.

فإنْ قالَ له: «يا كَلبُ، يا خِنزيرُ، يا حِمارُ، يا ثَورُ» ونحوَ ذلكَ لا يَجبُ عليه التعزيرُ؛ لأنَّ في النوعِ الأولِ إنما وجَبَ التعزيرُ لأنه ألحَقَ العارَ بالمَقذوفِ؛ إذ الناسُ بينَ مُصدِّقٍ ومُكذِّبٍ، فعُزِّرَ دفعًا للعارِ عنه، والقاذِفُ في النوعِ الثاني ألحَقَ العارَ بنَفسِه بقَذفِه غيرَه بما لا يُتصوَّرُ، فيَرجعُ عارُ الكَذبِ إليه لا إلى المَقذوفِ (١).

وقالَ المالِكيةُ: يَجبُ على الإمامِ تَعزيرُ مَنْ قامَ بمَعصيةٍ، والمَعصيةُ إما أنْ تكونَ خالِصًا لحَقِّ اللهِ، وهي كُلُّ مَعصيةٍ ليسَ لأحدٍ إسقاطُها كالأكلِ في


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٦٣)، و «درر الحكام شرح غرر الأحكام» (٢/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>