للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحِكمةُ من مَشروعيَّةِ زَكاةِ الفِطرِ:

والحِكمةُ في إِيجابِ هذه الزَّكاةِ ما جاءَ عن ابنِ عباسٍ قالَ: «فرَضَ رَسولُ اللهِ زَكاةَ الفِطرِ طُهرَةً للصَّائمِ من اللَّغوِ والرَّفثِ وطُعمَةً للمَساكينِ … » الحَديثَ (١).

فهذه الحِكمةُ مُركَّبةٌ من أمرَينِ:

الأمرُ الأولُ: يَتعلَّقُ بالصائمِينَ في شَهرِ رَمضانَ، وما عَسى أنْ يَكونَ قد شَابَ صيامَهم من لَغوِ القَولِ ورَفثِ الكَلامِ، والصِّيامُ الكاملُ هو الذي يَصومُ فيه اللِّسانُ والجَوارِحُ، كما يَصومُ البَطنُ والفَرجُ، فلا يَسمحُ الصائِمُ لِلسانِه ولا لأُذنِه ولا لعَينِه ولا ليدِه أو رِجلِه أنْ تَتلوَّث بما نَهى اللهُ ورَسولُه عنه من قَولٍ أو فِعلٍ، وقلَّما يَسلَمُ صائِمٌ من مُقارفةِ شَيءٍ من ذلك بحُكمِ الضَّعفِ البَشريِّ الغالِبِ، فجاءَت هذه الزَّكاةُ في خِتامِ الشَّهرِ بمَثابةِ غُسلٍ أو «حمَّامٍ» يَتطهَّرُ به مِنْ أَوضارِ ما شابَ نَفسِه أو كدَّرَ صَومَه وتَجبُرُ ما فيه من قُصورٍ؛ فإنَّ الحَسناتِ يُذهِبنَ السَّيئاتِ.

كما جعَلَ الشارِعُ السُّننَ الرَّواتِبَ مع الصَّلواتِ الخَمسِ جَبرًا لِما قد يَحدُث فيها من غَفلةٍ أو خَللٍ أو إِخلالٍ ببعضِ الآدابِ، وشَبَّهها بعضُ الأئِمَّةِ بسُجودِ السَّهوِ.

قالَ وَكيعُ بنُ الجَراحِ: زَكاةُ الفِطرِ لشَهرِ رَمضانَ كسَجدةِ السَّهوِ للصَّلاةِ تَجبُرُ نُقصانَ الصَّومِ كما يَجبُرُ السُّجودُ نُقصانَ الصَّلاةِ (٢).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: تَقدَّم.
(٢) «نهاية المحتاج» (٣/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>