للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَمعُ في الحَضرِ بدُونِ سَببٍ:

ذهَبَ الأئمَّةُ الأربَعةُ أبو حَنيفةَ ومالِكٌ والشافِعيُّ وأحمدُ وجُمهورُ العُلماءِ إلى عدمِ جَوازِ الجَمعِ لغيرِ الأَعذارِ المَذكورةِ آنِفًا؛ لأنَّ أَخبارَ المَواقيتِ الثَّابتةَ لا تَجوزُ مُخالَفتُها إلا بدَليلٍ خاصٍّ، ولأنَّه تَواتَرَ عن النَّبيِّ المُحافَظةُ على أَوقاتِ الصَّلواتِ، حتى قالَ ابنُ مَسعودٍ : «مَا رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى صَلاةً لغيرِ مِيقاتِها إلَّا صَلاتينِ، جمَعَ بينَ المَغربِ وَالعِشاءِ بجَمعٍ، يَعني المُزدلِفةَ» (١).

قالوا: وأمَّا حَديثُ ابنِ عَباسٍ: «جمَعَ رَسولَ اللهِ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ والمَغربِ والعِشاءِ بالمَدينَةِ في غيرِ خَوفٍ ولا مَطرٍ»، فقيلَ لِابنِ عَباسٍ: لمَ فعَلَ ذلك؟ قالَ: «أَرادَ ألَّا يُحرِجَ أُمتَه» (٢). قالوا: فإنَّه يُحتَملُ أنَّه صلَّى الأُولَى في آخرِ وقتِها والثانيةَ في أوَّلِ وقتِها، فإنَّ عَمرَو بنَ دِينارٍ -رَاويَ هذا الحَديثِ عن جابرِ بنِ زَيدٍ عن ابنِ عَباسٍ- قالَ: قُلتُ لجابرٍ: «يا أَبا الشَّعثاءِ، أَظنُّه أخَّرَ الظُّهرَ وعجَّلَ العَصرَ وأخَّرَ المَغربَ وعجَّلَ العِشاءَ؟ قالَ: وأنا أَظنُّ ذَاكَ» (٣).

قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ بعدَما ذكَرَ هذا الحَديثَ: ولا حُجةَ في هذا الحَديثِ وما كانَ مِثلَه لمَن جعَلَ الوقتَ في صَلاتَيِ اللَّيلِ وفي صَلاتَيِ النَّهارِ في الحَضرِ كهو في السَّفرِ، وأجازَ الجَمعَ بينَ الصَّلاتَينِ في الحَضرِ في وقتِ


(١) رواه البخاري (١٥٩٨)، وأبو داود (١٩٣٤).
(٢) رواه مسلم (٧٠٥).
(٣) رواه البخاري (١١٢٠)، ومسلم (٧٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>