ولِرُجوعِ النَّهيِ إلى مَعنًى خارِجٍ عن الذَّاتِ وعن لازِمِها؛ إذ لَم يَفقِدْ رُكنًا ولا شَرطًا، لكنَّ النَّهيَ لِمَعنًى مُقترِنٍ به، وهو خارِجٌ غيرُ لازِمٍ، وهو الإيذاءُ هُنا، والإضرارُ بالغيرِ، ولأنَّ المُحرَّمَ هو عَرضُ سِلعَتِه على المُشتَرِي، أو قَولُه الذي فسَخ البَيعَ مِنْ أجلِه، وذلك سابِقٌ على البَيعِ، ولأنَّه إذا صَحَّ الفَسخُ الذي حصَل به الضَّرَرُ؛ فالبَيعُ المُحصِّلُ لِلمَصلَحةِ أوْلَى، ولأنَّ النَّهيَ لِحَقٍّ آدَميٍّ؛ فأشبَهَ بَيعَ النَّجشِ.
وذهَب الحَنابِلةُ في المَذهبِ والمالِكيَّةُ في قَولٍ إلى أنَّه غيرُ جائِزٍ، وهو حَرامٌ، ولا يَصحُّ البَيعُ الثَّاني، بَلْ هو باطِلٌ؛ لأنَّه مَنهيٌّ عنه، لِمَا فيه مِنْ الإضرارِ بالمُسلِمِ والإفسادِ عليه، والنَّهيُ يَقتَضي الفَسادَ.
هل يَدخُلُ الذِّمِّيُّ في هذا الحُكمِ أو لا؟
ذهَب جُمهورُ العُلماءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ إلى أنَّه لا يَجوزُ أنْ يَبيعَ المُسلِمُ على بَيعِ الذِّمِّيِّ، ولا أنْ يَشتَريَ على شِرائِه.
قالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ ﵀: لا أعلَمُ خِلافًا في أنَّ الذِّمِّيَّ لا يَجوزُ لِأحَدٍ أنْ يَبيعَ على بَيعِه، ولا أنْ يَسومَ على سَومِه، وأنَّه والمُسلِمُ في ذلك سَواءٌ، والحُجَّةُ لَهم أنَّه كما دخَل الذِّمِّيُّ في النَّهيِ عن النَّجشِ وفي رِبحِ ما لَم يُضمَنْ ونَحوِه كذلك يَدخُلُ في هذا، وقد يُقالُ: هذا طَريقُ المُسلِمينَ، ولا يَمنَعُ ذلك أنْ يَدخُلَ فيه ويَسلُكَه أهلُ الذِّمَّةِ، وقد أجمَعَ العُلماءُ على كَراهةِ سَومِ الذِّمِّيِّ على سَومِ المُسلِمِ، وعلى سَومِ الذِّمِّيِّ إذا تَحاكَموا إلينا، فدَلَّ على أنَّهم مُرادونَ وداخِلونَ في ذلك.