للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا تصَدَّق الفَقيرُ على غَنيٍّ كانَ للمُتصدِّقِ حَقُّ الرُّجوعِ في القياسِ؛ لأنَّ الصَّدقةَ على الغَنيِّ هِبةٌ كما أنَّ الهِبةَ على الفَقيرِ صَدقةٌ.

ومنهم مَنْ سَوَّى بينَ الفَقيرِ وبينَ الغَنيِّ، وأنَّه لا رُجوعَ في الصَّدقةِ سَواءٌ كانت الصَّدقةُ على فَقيرٍ أو غَنيٍّ؛ لأنَّه عبَّرَ عنها بلَفظِ الصَّدقةِ، ولو أرادَ الهِبةَ لعبَّرَ بلَفظِها، ولأنَّ الثَّوابَ قد يُطلبُ بالصَّدقةِ على الأغنياءِ، ألَا تَرى أنَّ مَنْ له نِصابٌ وله عِيالٌ لا يَكفيه ذلك، ففي الصَّدقةِ عليه ثَوابٌ، فلهذا لم يَرجعْ فيها، وهذا في الاستِحسانِ والأوَّلُ هو القِياسُ (١).

شِراءُ الإِنسانِ صَدقتَه بعدَما أخرَجَها:

اتَّفَق الفُقهاءُ على أنَّه يُكرهُ للإِنسانِ إذا تصَدَّق بصَدقةٍ ثم وجَدَها تُباعُ أنْ يَشتريَها؛ لمَا رَواه الشَّيخانِ عن سالِمٍ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ «كانَ يُحدِّثُ أنَّ عُمرَ بنَ الخَطَّابِ تصَدَّق بفَرسٍ في سَبيلِ اللهِ فوجَدَه يُباعُ فأرادَ أنْ يَشتريَه ثم أتى النَّبيَّ فاستأمَرَه فقالَ: لا تَعُدْ في صَدقتِك. فبذلك كانَ ابنُ عُمرَ لا يَتركُ أنْ يَبتاعَ شَيئًا تصدَّقَ به إلا جعَلَه صَدقةً» (٢).

وعن نافِعٍ عن ابنِ عُمرَ «أنَّ عُمرَ بنَ الخَطَّابِ حمَلَ على فَرسٍ في سَبيلِ اللهِ فوجَدَه يُباعُ، فأرادَ أنْ يَبتاعَه، فسألَ رَسولَ اللهِ عن ذلك فقالَ: «لا تَبتَعْه ولا تَعُدْ في صَدقتِك» (٣).


(١) «المحيط البرهاني» (٦/ ٢٠٠)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ١٠٥)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٩١)، و «اللباب» (٦١٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٤١٨)، ومسلم (١٦٢١).
(٣) أخرجه مسلم (١٦٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>