وأمَّا حَديثُ أبي بَكرَةَ فليس فيه أَنَّه صلَّى مُنفرِدًا خلفَ الصَّفِّ قبلَ رَفعِ الإمامِ رَأسَه مِنْ الرُّكوعِ، فقد أدرَكَ مِنْ الاصطِفافِ المَأمُورِ به ما يَكونُ به مُدرِكًا لِلرَّكعةِ، فهو بمَنزِلةِ أن يَقِفَ وَحدَه، ثم يَجيءَ آخَرُ فيُصَافَّه في القِيامِ؛ فإنَّ هذا جائِزٌ باتِّفاقِ الأئمَّةِ، وحَديثُ أبي بَكرَةَ فيه النَّهيُ بقولِه:«ولا تَعُد»، وليس فيه أَنَّه أمرَه بإعادةِ الرَّكعةِ، كما في حَديثِ الفَذِّ؛ فإنَّه أمرَه بإعادةِ الصَّلاةِ، وهذا مُبيَّنٌ مُفسَّرٌ، وذلك مُجمَلٌ حتى لو قُدِّرَ أَنَّه صرَّح في حَديثِ أبي بَكرةَ بأَنَّه دخلَ في الصَّفِّ بعدَ اعتِدالِ الإمامِ، كما يَجوزُ ذلك في أحَدِ القولَينِ في مَذهبِ أحمدَ وغيرِه؛ لكانَ سائِغًا في مِثلِ هذا دونَ ما أمرَ فيه بالإعادةِ؛ فهذا له وَجهٌ، وهذا له وَجهٌ.
وأمَّا التَّفريقُ بينَ العالِمِ والجاهِلِ، كقَولٍ في مَذهبِ أحمدَ، فلا يَسوغُ؛ فإنَّ المُصلِّي المُنفرِدَ لم يكن عالِمًا بالنَّهي، وقد أمرَه بالإِعادَةِ، كما أمرَ الأعرابِيَّ المُسيءَ في صَلاتِه بالإعادةِ (١).
الأعذارُ التي تُبيحُ التَّخلُّفَ عن صَلاةِ الجَماعةِ:
الأعذارُ التي تُبيحُ التَّخلُّفَ عن الجَماعةِ منها ما هو عامٌّ، ومنها ما هو خاصٌّ، وبَيانُ ذلك فيما يَلي:
أولًا: الأعذارُ العامَّةُ:
أ- المَطَرُ الشَّديدُ الذي يَشُقُّ معه الخُروجُ لِلجَماعةِ، ويَحمِلُ النَّاسَ على تَغطيةِ رُؤُوسِهم.