للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ ترَكَه في نارٍ يُمكنُه التَّخلصُ منها لقِلَّتِها أو كَونِه في طَرفٍ منها يُمكنُه الخُروجُ بأدنَى حَركةٍ فلَم يَخرجْ حتَّى ماتَ فلا قوَدَ؛ لأنَّ هذا لا يَقتلُ غالبًا، وهل يَضمنُه؟ فيه وَجهانِ:

أحَدُهما: لا يَضمنُه؛ لأنه مُهلكٌ لنَفسِه بإقامتِه، فلَم يَضمنْه كما لو ألقاهُ في ماءٍ يَسيرٍ، لكنْ يَضمنُ ما أصابَتِ النارُ منه.

والثاني: يَضمنُه؛ لأنه جاءَ بالإلقاءِ المُفضِي إلى الهَلاكِ، وتَركُ التخلُّصِ لا يُسقطُ الضَّمانَ، كما لو فصَدَه فتَركَ شَدَّ فِصادِه مع إمكانِه، أو جرَحَه فتَركَ مُداواةَ جُرحِه، وفارَقَ الماءَ؛ لأنه لا يَهلكُ بنَفسِه، ولهذا يَدخلُه الناسُ للغُسلِ والسِّباحةِ والصَّيدِ، وأما النارُ فيَسيرُها يُهلكُ، وإنما تُعلَمُ قُدرتُه على التَّخلصِ بقَولِه: «أنا قادِرٌ على التَّخلصِ» أو نحوَ هذا؛ لأنَّ النارَ لها حَرارةٌ شَديدةٌ، فرُبَّما أزعَجَتْه حَرارتُها عن مَعرفةِ ما يَتخلصُ به، أو أذهَبَتْ عَقْلَه بألمِها ورُوعتِها (١).

إذا حبَسَه ومنَعَ عنه الطَّعامَ والشَّرابَ حتَّى ماتَ:

اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ مَنْ حبَسَ إنسانًا ولم يَمنعْه الطَّعامَ ولا الشَّرابَ فماتَ في حَبسِه فإنه لا شَيءَ عليهِ مِنْ قِصاصٍ ولا دِيةٍ.

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا فيمَن حبَسَ غيرَه في مَكانٍ ومنَعَ عنه الطَّعامَ والشَّرابَ حتَّى ماتَ في الحَبسِ، هل يُقتصُّ منه؟ أم يَجبُ عليهِ الدِّيةُ؟ أم لا يَجبُ عليهِ شَيءٌ أصلًا؟


(١) «المغني» (٨/ ٢١٠، ٢١١)، و «الكافي» (٤/ ٥٩)، و «المبدع» (٨/ ٢٤٥)، و «الإنصاف» (٩/ ٤٣٨)، و «كشاف القناع» (٥/ ٥٩٧)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>