للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّبا في الفُلوسِ:

الفُلوسُ: هي كلُّ ما يَتَّخِذُه النَّاسُ قِيمةً لِلأشياءِ مِنْ سائِرِ المَعادِنِ، عَدا الذَّهبِ والفِضَّةِ، كالحَديدِ والنُّحاسِ وغيرِهما (١).

واتَّفق الفُقهاءُ على جَوازِ البَيعِ بالفُلوسِ؛ لأنَّها أموالٌ مُتقوَّمةٌ مَعلومةٌ.

وقد اختلَف الفُقهاءُ، كما تَقدَّمَ في عِلَّةِ الرِّبا في الذَّهبِ والفِضَّةِ، هل هي كَونُهما مَوزونَيْنِ أو كَونُهما ثَمَنًا لِلأشياءِ، أو كَونُهما جِنسَ الأثمانِ في الأغلَبِ؟

وأغلَبُ الفُقهاءِ لَم يُجْرِ الفُلوسَ مَجرَى الذَّهبِ والفِضَّةِ، فقالوا بجَوازِ التَّفاضُلِ فيها والنَّساءِ، فإذا صُرِفتِ الفُلوسُ النَّافِقةُ بالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ نَساءً، أو صُرِفتِ الفُلوسُ بالفُلوسِ تَفاضُلًا جازَ، وهذا قَولُ جُمهورِ العُلماءِ، الحَنفيَّةُ- ما عَدا مُحمَّدًا- والشافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في أحَدِ القَولَيْنِ، فلا رِبا في فُلوسٍ يُتعامَلُ بها عَدَدًا، ولو كانَتْ نافِقةً (٢)؛ لِخُروجِها عن الكَيلِ


(١) قال المقريزي: «إنَّ الفلوسَ لَم يَجعلْها اللهُ سُبحانه نَقدًا في قَديمِ الدَّهرِ وحديثِه، حتى راجتْ في أيَّامِ الناصرِ فرجِ بن برقوق ٨٠٨ هـ، وكان قبيحَ السِّيرةِ، وقد حَدَث من رواجِ الفُلوسِ خَرابُ الإقليمِ وذَهابُ نِعمةِ أهلِ مصرَ، فإنَّ الفضَّةَ هي النقدُ الشرعيُّ، أمَّا الفُلوسُ فهي أشبهُ شيءٍ بلا شيءٍ، فيصيرُ المضافُ مُضافًا إليه … إلى أن يقولَ: ولا يُعلَم في خبرٍ صحيحٍ ولا سقيمٍ عن أُمَّةٍ من الأممِ اتَّخذوا نقدًا غير الذهبِ والفِضَّة، أمَّا السفاسفُ والمحقَّراتُ والتوافِهُ فقدِ احتاجَ الناسُ لشرائِها بأقلَّ مِنْ الدرهمِ وأجزائِه، فكانت الفُلوسُ وَسيلةَ هذه المُبادلاتِ، ولكنَّها لم تكن نقدًا البتةَ، ولم يُوجدْ منها إلا اليَسيرُ، ولم تقُمْ في إقليمٍ ما بمنزلةِ النَّقدينِ».
(٢) أي رَائجِة يكثُر طلبُها. قال ابن مَنظور: نَفَقَ البيع نَفَاقًا: راج. ونَفَقت السِّلْعة تَنْفُق نَفاقًا بالفتح: غَلَتْ ورغب فيها وأَنْفَقَها هو و نَفَّقَها. وفي الحديث: المُنَفِّق سِلْعته بالحلف الكاذب المُنَفِّقُ بالتشديد: من النَّفَاق وهو ضد الكَسَاد. «لسان العرب» (١٠/ ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>