نَصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ على أنَّه يُشترَطُ لِصِحَّةِ المُساقاةِ أنْ يَنفَرِدَ العامِلُ بالعَملِ، وأنْ يُخَلِّيَ المالِكُ بَينَه وبَينَ الشَّجرِ، ولا يَصحُّ اشتِراطُ عَملِ ربِّ الشَّجرِ مع العامِلِ.
قالَ الحَنفيَّةُ: يُشترَطُ لِصِحَّةِ المُساقاةِ التَّسليمُ إلى العامِلِ، وهو التَّخليةُ، حتى لَو شَرَطا العَملَ عليهما، فَسَدَتْ؛ لِانعِدامِ التَّخليةِ (١).
وقالَ المالِكيَّةُ: لا يَجوزُ لربِّ الحائِطِ أنْ يَقولَ لِشَخصٍ: «اسْقِ أنتَ وأنا في حائِطِي ولَكَ نِصفُ ثَمرَتِه» مثَلًا، إنَّما المُساقاةُ أنْ يُسَلِّمَ الحائِطَ إلَيه، قالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: وهو ممَّا لا اختِلافَ فيه أنَّ ذلك لا يَصلُحُ، ولأنَّ هذا على خِلافِ ما جاءَتْ به السُّنةُ؛ لأنَّ السُّنةَ إنَّما جاءَتْ بتَسليمِ الحائِطِ لِلعاملِ.
فَإنْ وقعَ وعَمِلَ فإنْ كانَ المُشتَرِطُ هُنا ربَّ الحائِطِ فلِلعاملِ أُجرةُ مِثلِه؛ لأنَّه لَمَّا اشترَطَ ربُّ الحائِطِ على العامِلِ أنْ يَعمَلَ هو معه ولَم يُسَلِّمْه الحائِطَ، فكَأنَّه آجَرَه على مُعاوَنَتِه في العَملِ على جُزءٍ مِنْ الثَّمرةِ.
وإنْ كانَ المُشتَرِطُ هو العامِلَ فلَه مُساقاةُ مِثلِه؛ لأنَّه لَمَّا سَلَّمَ له الحائِطَ
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٨٦)، و «الهندية» (٥/ ٢٧٧).