الشَّرطُ الثَّالثُ: ألاَّ تُعدَّدَ الجمُعةُ في المِصرِ الواحدِ مُطلَقًا:
اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ إقامةِ الجمُعةِ في أكثرَ مِنْ مَكانٍ في البَلدِ الواحدِ: هل تَصحُّ أو لا؟
فذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ وقَولٌ لِلحَنفيةِ إلى أنَّه لا يَجوزُ إقامةُ الجمُعةِ في أكثرَ مِنْ مَكانٍ في البَلدِ الواحدِ، وقالَ أحمدُ في المَشهورِ عنه: يَجوزُ أن تُقامَ في المِصرِ الواحدِ في مَواضعَ، إذا كانَ كَبيرًا، واحتِيجَ إلى ذلك، وسَواءٌ كانَ البَلدُ جانِبًا واحدًا أو جانبَينِ.
وقالَ أبو حَنيفةَ ومُحمدٌ في الصَّحيحِ عنهما: يَجوزُ إقامةُ الجمُعةِ في مِصرٍ واحدٍ في مَوضعَينِ وأكثرَ مِنْ ذلك؛ لأنَّ في عدمِ تَعدُّدِ جَوازِها حَرجًا، والحَرجُ مَدفُوعٌ، وفي القولِ بأنَّه لا تَجوزُ إِقامتُها إلا في مَوضعٍ واحدٍ مَعنى الحَرجِ، ومَعنى تَهييجِ الفِتنةِ، فقد يَكونُ بينَ أهلِ مِصرٍ واحدٍ اختِلافٌ على وَجهٍ لو اجتَمَعوا في مَوضعٍ كانَ ذلك سَببًا لتَهييجِ الفِتنةِ، وقد أُمِرنا بتَسكينِها؛ فلِهذا جَوَّزنا إِقامتَها في مَوضعَينِ وأكثرَ مِنْ ذلك.
وقالَ أبو يُوسفَ: إذا كانَ المِصرُ له جانِبانِ كبَغدادَ، يَجوزُ. وقالَ الطَّحاوِيُّ ﵀: والصَّحيحُ مِنْ مَذهبِنا أنَّه لا يَجوزُ إقامةُ الجمُعةِ في أكثرَ مِنْ مَوضعٍ واحدٍ مِنْ المِصرِ؛ إلا أن يَشُقَّ الاجتِماعُ؛ لكِبَرِ المِصرِ، فيَجوزُ في مَوضعَينِ، وإن دَعَتِ الحاجةُ إلى أكثرَ جازَ (١).
(١) «الإفصاح» (١/ ٢٤٢)، و «الاختيار» (١/ ١٠٣)، و «ابن عابدين» (٢/ ١٤٥)، و «الإشراف» (١/ ١٣٥)، و «المجموع» (٥/ ٧٧١)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٥)، و «المغني» (٣/ ٥٣، ٥٥)، والدُّسوقي (١/ ٣٧٤).