للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا حلَفَ مُكرهًا أو فعَلَ المَحلوفَ عليه مُكرهًا:

اختَلفَ الفُقهاءُ في حُكمِ مَنْ فعَلَ المَحلوفَ عليه مُكرهًا أو أُكرَه على الحَلفِ هل يَحنثُ بهذا أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّه لا فرقَ بينَ الحَلفِ طَوعًا أو كَرهًا، ولا فرقَ بينَ أنْ يَفعلَ المَحلوفَ عليه طَوعًا أو كَرهًا؛ لحَديثِ حُذيفةَ بنِ اليَمانِ، قالَ: «ما منَعنِي أنْ أَشهَدَ بَدرًا إلَّا أنِّي خرَجتُ أنا وأَبي حُسيلٌ، قالَ فأخَذَنا كُفارُ قُريشٍ، قالوا: إنَّكم تُريدُونَ مُحمدًا، فقُلنا: ما نُريدُه، ما نُريدُ إلَّا المَدينةَ، فأَخذوا مِنا عهدَ اللهِ ومِيثاقَه، لنَنصرِفنَّ إلى المَدينةِ ولا نُقاتلُ معَه، فأتَينا رَسولَ اللهِ فأَخبَرْناه الخبَرَ، فقالَ: «انصَرِفا نَفِي لهُم بعَهدِهم ونَستَعينُ اللهَ عليهِم» (١). فبيَّنَ أنَّ اليَمينَ طَوعًا وكَرهًا سَواءٌ.

وإذا فعَلَ المَحلوفَ عليه مُكرهًا حنِثَ؛ لأنَّ الفعلَ الحَقيقيَّ لا يَنعدِمُ بالإِكراهِ (٢).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ الإِنسانَ إذا أُكرهَ على اليَمينِ فإنَّ يَمينَه لا تَنعقِدُ؛ لأنَّه قولٌ أُكرهَ عليه بغيرِ حقٍّ فلَم يَصحَّ ككَلمةِ الكُفرِ، ولما رَواه مَكحولٌ عن واثِلةَ بنِ الأَسقعِ وعن أَبي أُمامةَ، قالا: قالَ رَسولُ اللهِ : «ليسَ على مَقهورٍ يَمينٌ» (٣).


(١) أخرجه مسلم (١٧٨٧).
(٢) «شرح فتح القدير» (٥/ ٦٥)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ١٢)، و «اللباب» (٢/ ٣٨٢).
(٣) موضوع: رواه الدارقطني (٤٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>