للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّدقةُ على الوَلدِ هل له الرُّجوعُ فيها أو لا؟

اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو تَصدَّقَ الوالِدُ على ابنِه هل له أنْ يَرجعَ فيما تصَدَّق به عليه أو لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّه لا فَرقَ بينَ الأبِ والأجنَبيِّ، فلا يَصحُّ الرُّجوعُ في الصَّدقةِ؛ لأنَّ المَقصودَ بالصَّدقةِ القُربةُ إلى اللهِ تَعالى، فلم يَصحَّ له الرُّجوعُ فيها بعدَ لُزومِها، كالعِتقِ، وكَونِ القَصدِ بالهِبةِ صِلةَ الرَّحمِ، وإصلاحَ حالِ الوَلدِ.

وذهَبَ الشافِعيةُ في الأصَحِّ المَنصوصِ والحَنابِلةُ في الصَّحيحِ من المَذهبِ إلى أنَّ للأبِ أنْ يَرجعَ في الصَّدقةِ كما أنَّ له أنْ يَرجعَ في الهِبةِ؛ لأنَّ الصَّدقةَ تَفتقِرُ إلى ما تَفتقِرُ إليه الهِبةُ، من الإِيجابِ والقَبولِ والإذنِ بالقَبضِ، فكانَ حُكمُها حُكمَ الهِبةِ في الرُّجوعِ بخِلافِ العِتقِ. ولعُمومِ قَولِ النَّبيِّ : «لا يَحلُّ لرَجلٍ أنْ يُعطيَ عَطيةً أو يَهبَ هِبةً فيَرجعَ فيها إلا الوالِدَ فيما يُعطي وَلدَه … » (١).

قالَ ابنُ تَيميةَ : وعن الإمامِ أحمدَ فيما إذا تصَدَّق على وَلدِه له أنْ يَرجعَ، فيه رِوايتانِ بِناءً على أنَّ الصَّدقةَ نَوعٌ من الهِبةِ أو نَوعٌ مُستقلٌّ، وعلى ذلك يُبنى ما لو حلَفَ لا يَهبُ فتَصدَّقَ، هل يَجِبُ؟ على وَجهَين (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٥٣٩)، والترمذي (١٢٩٨)، والنسائي (٣٩٦٠)، و «ابن حبان في «صحيحه» (٥١٢٣)، و «الإمام أحمد في «مسنده» (٢١١٩).
(٢) «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٥١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>