فمَن عارَضه بالقياسِ على الصَّلاةِ أدخَلَ قاعِدةً في قاعِدةٍ، ولو فُتِح بابُ رَدِّ الأحاديثِ الصَّحيحةِ بمِثلِ هذا لَما بَقيَ من الحَديثِ إلا القَليلُ.
وفي الحَديثِ لُطفُ اللهِ ﷾ بعِبادِه والتَّيسيرُ عليهم ورَفعُ المَشقَّةِ والحَرجِ عنهم، وقد رَوى أحمدُ لِهذا الحَديثِ سَببًا فأخرَج من طَريقِ أُمِّ حَكيمٍ بنتِ دِينارٍ عن مَولاتِها أُمِّ إسحاقَ أنَّها كانت عندَ النَّبيِّ ﷺ فأتى بقَصعةٍ من ثَريدٍ فأكلَت معه، ثم تَذكَّرت أنَّها كانت صائِمةً، فقال لها ذو اليَدَيْن: الآنَ بعدَما شَبِعتِ؟ فقال لها النَّبيُّ ﷺ:«أتِمِّي صَومَكِ؛ فإنَّما هو رِزقٌ ساقَه اللهُ إليكِ»، وفي هذا رَدٌّ على مَنْ فرَّق بينَ قَليلِ الأكلِ وكَثيرِه.
ومِن المُستَظرَفاتِ ما رَواه عَبدُ الرَّزاقِ عن ابنِ جُرَيجٍ عن عَمرِو بنِ دِينارٍ أنَّ إنسانًا جاء إلى أبي هُرَيرةَ فقال: أصبَحتُ صائِمًا فنَسيتُ فطَعِمتُ، قال: لا بأسَ، قال: ثم دَخلتُ على إنسانٍ فنَسيتُ وطَعِمتُ وشَرِبتُ، قال: لا بأسَ، اللهُ أطعَمَكَ وسَقاكَ، ثم قال: دَخلتُ على آخَرَ فنَسيتُ فطَعِمتُ، فقال أبو هُرَيرةَ: أنتَ إنسانٌ لم تَتعَوَّدِ الصِّيامَ (١).
حُكمُ مَنْ سَمِع النِّداءَ والإناءُ على فَمِه:
نَصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ الشافِعيَّةُ والحَنابِلةُ وحَكاه البَيهَقيُّ والنَّوَويُّ عن عَوامِّ أهلِ العِلمِ على أنَّ الإنسانَ إنْ سَمِع النِّداءَ الثانيَ أو دخَل وَقتُ الفَجرِ الصادِقِ وكان يأكُلُ فليَقذِفْ ما في فَمِه ولا يَبتَلِعْه، وكذا إذا كان الإناءُ على فَمِه؛