للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: حُكمُ الجاسوسِ المُسلِمِ:

ابتَداءً لا نَعلمُ أحَدًا مِنْ أهلِ العِلمِ نَصَّ على كُفرِ الجاسوسِ المُسلِمِ بمُجرَّدِ الجَسِّ، بل نَصَّ الإمامُ الشافِعيُّ على أنَّ الخِلافَ في تَكفيرِه غيرُ مُعتبَرٍ؛ فإنَّه قالَ: وليسَ الدِّلالةُ على عَورةِ مُسلمٍ ولا تأييدِ كافرٍ بأنْ يُحذِّرَ أنَّ المُسلِمينَ يُريدونَ منه غِرةً ليَحذَرَها أو يَتقدَّمَ في نِكايةِ المُسلِمينَ بكُفرٍ بيِّنٍ، ثم سُئلَ: أقُلتَ هذا خَبرًا أم قياسًا؟ قالَ: قُلتُه بما لا يَسعُ مُسلمًا عَلِمه عندي أنْ يُخالِفَه بالسُّنةِ المَنصوصةِ بعدَ الاستِدلالِ بالكِتابِ (١).

وقالَ ابنُ العَربيِّ والقُرطبيُّ: مَنْ كثُرَ تَطلُّعُه على عَوراتِ المُسلِمينَ ويُنَبِّهُ عليهم ويُعرِّفُ عَدوَّهم بأخبارِهم لم يَكنْ بذلك كافرًا إذا كانَ فِعلُه لغَرضٍ دُنيَويٍّ، واعتِقادُه على ذلك سَليمٌ، كما فعَلَ حاطِبُ بنُ أبي بَلتَعةَ حينَ قصَدَ بذلك اتِّخاذَ اليَدِ ولم يَنوِ الرِّدةَ عن الدِّينِ (٢).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : وفيه أنَّ الجاسوسَ وغيرَه من أصحابِ الذُّنوبِ الكَبائِرِ لا يَكفُرونَ بذلك، وهذا الجَسُّ كَبيرةٌ قَطعًا؛ لأنَّه يَتضمَّنُ إيذاءَ النَّبيِّ وهو كَبيرةٌ بلا شكٍّ (٣).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ : وقد تَحصُلُ للرَّجلِ مُوادَّتُهم لرَحمٍ أو حاجةٍ فتَكونُ ذَنبًا يَنقُصُ به إيمانُه، ولا يَكونُ به كافرًا، كما حصَلَ


(١) «الأم» (٤/ ٢٤٩).
(٢) «أحكام القرآن» (٤/ ٢٢٥)، و «تفسير القرطبي» (١٨/ ٥٣).
(٣) «شرح مسلم» (١٦/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>