وقالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ ﵀: لو كانَ للمَيتِ أَقاربُ لا يَرِثونَ كانَت الوَصيةُ لهم أَولى من الوَصيةِ بالعِتقِ، وما أعلَمُ في هذا خِلافًا، وإنَّما أعلَمُ الاختِلافَ في وُجوبِ الوَصيةِ لهم؛ فإنَّ فيه عن أَحمدَ رِوايَتَينِ:
إحداهما: تَجبُ، كقَولِ طائِفةٍ من السَّلفِ والخَلفِ.
والثانيةُ: لا تَجبُ، كقَولِ الفُقهاءِ الثَّلاثةِ وغيرِهم، ولو وَصَّى لغيرِهم دونَهم فهل تُردُّ تلك الوَصيةُ على أَقاربِه دونَ المُوصَى له أو يُعطَى ثُلثُها للمُوصَى له وثُلثاها لأَقاربِه كما تُقسَّمُ التَّركةُ بينَ الوَرثةِ والمُوصَى له؟ على رِوايتَينِ عن أَحمدَ، وإنْ كانَ المَشهورُ عندَ أكثَرِ أَصحابِه هو القَولَ بنُفوذِ الوَصيةِ (١).
المَسألةُ الثالِثةُ: هل تُردُّ الوَصيةُ إذا أوصى لغيرِ الوارِثينَ الأَقرَبينَ أو لا؟
ذهَبَ جُمهورُ فُقهاءِ المَذاهبِ الأربَعةِ الحَنفيةِ والمالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ إلى أنَّ الإِنسانَ إذا أوصَى لغيرِ الوارِثينَ من قَرابتِه فوَصيَّتُه نافِذةٌ ولا تُردُّ، واحتَجُّوا على جَوازِ الوَصيةِ لغيرِ الأَقاربِ دونَ الأَقاربِ بحَديثِ عِمرانَ بنِ حُصَينٍ «في الذي أعتَقَ سِتةَ أعبُدٍ له عندَ مَوتِه في مَرضِه لا مالَ له غيرَهم، فأقرَعَ رَسولُ اللهِ ﷺ بينَهم فأعتَقَ اثنَينِ وأرَقَّ أربَعةً» فهذه وَصيةٌ لهم في ثُلثِه؛ لأنَّ أَفعالَ المَريضِ كلَّها وَصيةٌ في