وقالَ الشافِعيةُ: ويَجتَهِدُ الإمامُ أو أميرُ الجَيشِ في أسرى الكُفارِ الأصليِّين الأحرارِ الكامِلين وهُم الذُّكورُ البالِغون العاقِلون ويَفعَلُ فيهم وُجوبًا بعدَ أسرِهم الأحَظَّ للإسلامِ ولِلمُسلِمينَ من أربَعِ خِصالٍ من قَتلٍ بضَربِ رَقَبةٍ لا بتَحريقٍ وتَغريقٍ ومَنٍّ عليهم بتَخليةِ سَبيلِهم وفِداءٍ بأسرى مُسلِمينَ رِجالٍ أو غيرِهم أو أهلِ ذِمةٍ أو مالٍ يُؤخَذُ منهم، سَواءٌ أكانَ من مالِهم أو مِنْ مالِنا في أيديهم، واستِرقاقٍ للأتْباعِ في الأربَعِ، وقالَ تَعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: ٥] وقالَ تَعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤] وقالَ تَعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ [محمد: ٤] أي: بالاستِرقاقِ.
فإنْ خَفيَ على الإمامِ الأحَظُّ السابِقُ حبَسهم حتى يَظهرَ له؛ لأنَّه راجِعٌ إلى الاجتِهادِ لا إلى التَّشهِّي فيُؤخَّرُ لظُهورِ الصَّوابِ (١).
رُجوعُ الإمامِ في اختيارِه:
قالَ ابنُ حَجرٍ الهَيتَميُّ الشَّافِعيُّ ﵀: لم يَتعَرَّضوا فيما عَلِمتُ إلى أنَّ الإمامَ لو اختار خَصلةً فله الرُّجوعُ عنها أو لا، ولا إلى أنَّ اختيارَه هل يَتوقَفَ على لفظٍ أو لا، والذي يَظهَرَ لي في ذلك تَفصيلٌ لا بدَّ منه:
أمَّا الأولُ: فهو أنَّه لو اختارَ خَصلةً ظهَرَ له بالاجتِهادِ أنَّها الأحَظُّ، ثم ظهَرَ له به أنَّ الأحَظَّ غيرُه؛ فإنْ كانَت رِقًّا لم يَجزْ له الرُّجوعُ عنها مُطلَقًا؛ لأنَّ الغانِمينَ وأهلَ الخُمسِ ملَكوا بمُجَّردِ ضَربِه الرِّقَّ فلمْ يَملِكْ إِبطالَه عليه.
(١) «مغني المحتاج» (٤/ ٢٢٨)، و «نهاية المحتاج» (٨/ ٦٩).