للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتِقادِ فلا يَتحقَّقُ مع السُّكَّرِ، وهذا في الحُكمِ، أمَّا فيما بينَه وبينَ اللهِ تَعالى فإنْ كانَ في الواقِعِ قصَدَ أنْ يَتكلَّمَ به ذاكِرًا لمَعناه كفَرَ، وإلا فلا (١).

الشَّرطُ الثالِثُ: ألَّا يَكونَ مُكرَهًا:

اتَّفَقَ الفُقهاءُ على عَدمِ صِحةِ إِقرارِ المُكرَهِ؛ لأنَّه قَولٌ أُكرِهَ عليه بغَيرِ حَقٍّ فلم يَصحَّ مِنه؛ لقَولِ النَّبيِّ: «عُفيَ لأُمَّتي عن الخَطإِ، والنِّسيانِ، وما استُكرِهوا عليه» (٢) قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ: ولا يَصحُّ الإِقرارُ مِنْ المُكرَهِ فلو ضُربَ الرَّجلُ ليُقِرَّ بالزِّنا لم يَجِبْ عليه الحَدُّ، ولم يَثبُتْ عليه الزِّنا، ولا نَعلَمُ مِنْ أهلِ العِلمِ خِلافًا في أنَّ إِقرارَ المُكرَهِ لا يَجبُ به حَدٌّ، ورُويَ عن عُمرَ أنَّه قالَ: «ليسَ الرَّجلُ بأَمينٍ على نَفسِه إذا جوَّعتَه أو ضرَبتَه أو أوثَقتَه» رَواه سَعيدٌ، وقالَ ابنُ شِهابٍ في رَجلٍ اعتَرفَ بعدَ جَلدِه: ليسَ عليه حَدٌّ، ولأنَّ الإِقرارَ إنَّما ثبَتَ به المُقِرُّ به لوُجودِ الداعي إلى الصِّدقِ وانتِفاءِ التُّهمةِ عنه فإنَّ العاقِلَ لا يُتَّهَمُ بقَصدِ الإِضرارِ بنَفسِه، ومعَ الإِكراهِ يَغلِبُ على الظَّنِّ أنَّه قصَدَ بإِقرارِه دَفعَ ضَررِ الإِكراهِ فانتَفَى ظنُّ الصِّدقِ عنه فلم يُقبَلُ (٣).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٢٣)، و «البحر الرائق» (٥/ ٣٠)، و «درر الحكام» (٥/ ٣٢٤)، و «الدر المختار» (٥/ ٦٢٢).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وقد تقدم.
(٣) «المغني» (٩/ ٦٣)، و (٥/ ٨٧)، وينظر: «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٢٣)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٢٧٣)، «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٨٥)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ١٠٤)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٨٠)، و «المبدع» (١٠/ ٢٩٧)، و «منار السبيل» (٣/ ٥٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>