للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِياسُ الشَّهادةِ على المِيراثِ؛ فإنَّ المِيراثَ خِلافةٌ للمَوروثِ في مالِه وحُقوقِه، والعَبدُ لا تُمكِنُه الخِلافةُ؛ لأنَّ ما يَصيرُ إليه يَملِكُه سيِّدُه فلا يُمكِنُ أنْ يَخلُفَ فيه المِيراثَ، ولأنَّ المِيراثَ يَقتَضي التَّمليكَ، والعَبدُ لا يَملِكُ، ومَبنى الشَّهادةِ على العَدالةِ التي هي مَظِنةُ الصِّدقِ وحُصولِ الثِّقةِ من القَولِ، والعَبدُ أهلٌ لذلك، فوجَبَ أنْ تُقبلَ شَهادتُه.

الفَصلُ الثانِي: أنَّ شَهادتَه لا تُقبلُ في الحَدِّ، وفي القِصاصِ احتِمالانِ:

أَحدُهما: تُقبلُ شَهادتُه فيه؛ لأنَّه حَقُّ آدَميٍّ لا يَصحُّ الرُّجوعُ عن الإِقرارِ به فأشبَهَ الأَموالَ.

والثانِي: لا تُقبلُ؛ لأنَّه عُقوبةٌ بَدنيةٌ تُدرأُ بالشُّبهاتِ فأشبَهَ الحَدَّ، وذكَرَ الشَّريفُ وأَبو الخَطابِ في العُقوباتِ كلِّها من الحُدودِ والقِصاصِ رِوايتَينِ، إِحداهُما: تُقبلُ؛ لمَا ذكَرْنا، ولأنَّه رَجلٌ عَدلٌ فتُقبلُ شَهادتُه فيها كالحُرِّ.

والثانيةُ: لا تُقبلُ، وهو ظاهِرُ المَذهبِ؛ لأنَّ الاختِلافَ في قَبولِ شَهادتِه في الأَموالِ نَقصٌ وشُبهةٌ فلم تُقبَلْ شَهادتُه فيما يُدرأُ بالشُّبهاتِ، ولأنَّه ناقِصُ الحالِ فلم تُقبَلْ شَهادتُه في الحَدِّ والقِصاصِ كالمَرأةِ (١).

الشَّرطُ الثالِثُ: العَقلُ:

أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّه يُشتَرطُ في الشاهِدِ أنْ يَكونَ عاقِلًا، فلا تُقبلُ شَهادةُ مَجنونٍ بالإِجماعِ؛ لأنَّه لا حُكمَ لقَولِه في شَيءٍ ما، ولأنَّه إذا لم تُقبَلْ شَهادتُه على نَفسِه فعلى غيرِه أَولَى.


(١) «المغني» (١٠١٨٨، ١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>