والحاكِمِ من حَديثِ قَيسِ بنِ سَعدِ بنِ عُبادةَ قالَ: «أمَرَنا رَسولُ اللَّهِ ﷺ بصَدقَةِ الفِطرِ قبلَ أَنْ تُنزَلَ الزَّكاةُ، فلمَّا نزَلَت الزَّكاةُ لم يَأمرْنا ولم يَنهَنا ونحنُ نَفعَلُه» إسنادُه صَحيحٌ، رِجالُه رِجالُ الصَّحيحِ إلا أَبا عمَّارٍ الراوِي له عن قَيسِ بنِ سَعدٍ، وهو كُوفِيٌّ اسمُه عَريبٌ، بالمُهملةِ المَفتوحةِ، ابنُ حُميدٍ، وقد وثَّقَه أحمدُ وابنُ مَعينٍ، وهو دالٌّ على أنَّ فَرضَ صَدقةِ الفِطرِ كانَ قبلَ فَرضِ الزَّكاةِ، فيَقتَضي وُقوعَها بعدَ فَرضِ رَمضانَ، وذلك بعدَ الهِجرةِ، وهو المَطلوبُ (١).
الحِكمةُ مِنْ تَشريعِ الزَّكاةِ وفَرضِها:
اعلَمْ أنَّ عُمدةَ ما رُوي في الزَّكاةِ مَصلَحتانِ:
مَصلحةٌ تَرجِعُ إلى تَهذيبِ النَّفسِ، وهي أنَّها أُحضرتِ الشُّحُّ، والشُّحُّ أقبَحُ الأَخلاقِ ضارٌّ بها في المَعادِ، ومَن كانَ شَحيحًا فإنَّه إذا ماتَ بقِي قَلبُه مُتعلِّقًا بالمالِ، وعُذِّبَ بذلك، ومَن تَمرَّنَ بالزَّكاةِ، وأَزالَ الشُّحَّ من نَفسِه كانَ ذلك نافِعًا له أنفَعَ الأَخلاقِ في المَعادِ بعدَ الأَخباتِ للهِ تعالى، وهو سَخاوةُ النَّفسِ، فكما أنَّ الأَخباتَ يُعِدُّ لِلنَّفسِ هَيئةَ التَّطلُّعِ إلى الجَبروتِ، فكذلك السَّخاوةُ تُعِدُّ لها البَراءةَ عن الهَيئاتِ الخَسيسةِ الدُّنيويةِ، وذلك لأنَّ أصلَ السَّخاوةِ قَهرُ المِلكيَّةِ البَهيميَّةِ، وأنْ تَكونَ المِلكيَّةُ هي الغالِبةَ، وتَكونَ البَهيميَّةُ مُنصَبغةً بصَبغِها أخذَتْ حُكمَها، ومِن المُنبِّهاتِ عليها بَذلُ المالِ مع الحاجةِ إليه، والعَفوُ عمَّن ظلَمَ، والصبْرُ عندَ الشَّدائدِ في الكَريهاتِ، بأنْ
(١) «فتح الباري» (٣/ ٢٦٧، ٢٦٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute