للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرطُ الخامِسُ: أنْ يَكونَ مُتيقِّظًا حافِظًا:

نَصَّ عامَّةُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ على أنَّه يُشتَرطُ في الشاهِدِ أنْ يَكونَ مُتيقِّظًا حافِظًا لمَا يَشهَدُ به، فلا تُقبلُ شَهادةُ مُغفَّلٍ ولا مَعروفٍ بكَثرةِ غَلطٍ ونِسيانٍ؛ لأنَّ الثِّقةَ لا تَحصُلُ بقَولِه؛ لاحتِمالِ أنْ تَكونَ شَهادتُه ممَّا غلِطَ فيه وسَها، ولأنَّه رُبَّما شهِدَ على غيرِ من استُشهِدَ عليه، أو بغيرِ ما شهِدَ به، أو لغيرِ مَنْ أشهَدَه.

قالَ الحَنفيةُ: شَرطُ الرِّضا للشَّهادةِ أنْ يَكونَ الشاهِدُ مُتيقظًا حافِظًا لمَا يَسمَعُه مُتقِنًا لمَا يُؤدِّيه (١).

وقالَ المالِكيةُ: يُشتَرطُ في الشاهِدِ أنْ يَكونَ غيرَ مُغفَّلٍ فلا تُقبلُ شَهادةُ المُغفَّلِ إلا في أمرٍ لا يُلبِسُ، كقَولِه: «رأيتُ هذا قتَلَ هذا، أو فَقَأ عَينَيْه أو قطَعَ يَدَيه» أو نَحوَ ذلك من الأَفعالِ، وكقَولِه: «سمِعتُ هذا طلَّقَ زَوجَتَه فُلانةَ، أو شتَمَ فُلانًا»، ونَحوَه مِنْ الأَقوالِ.

قالَ ابنُ عبدِ الحَكمِ: قد يَكونُ الرَّجلُ الخَيِّرُ الفاضِلُ ضَعيفًا لا يُؤمَنُ عليه لغَفلَتِه أنْ يُلبَّسَ عليه فلا تُقبلُ شَهادتُه إلا أنْ يَكونَ الأمرُ المَشهودُ فيه جَليًّا واضحًا بيِّنًا لا يُلبِسُ على أحدٍ، كقَولِه: «رأيتُ هذا يَقطَعُ يَدَ هذا»، ونَحوَ ذلك؛ فإنَّ شَهادةَ المُغفَّلِ تُقبلُ في مِثلِ ذلك.

وأمَّا البَليدُ فلا تَصحُّ شَهادتُه مُطلَقًا، والفَرقُ بينَ المُغفَّلِ والبَليدِ أنَّ المُغفَّلَ له مَلَكةٌ، أي: قُوةٌ مُنبِّهةٌ لكنْ لا يَستعمِلُها، وأنَّ البَليدَ ليسَ له مَلَكةٌ أَصلًا (٢).


(١) «أحكام القرآن» (٢/ ٢٣٤)، و «حاشية ابن عابدين» (٧/ ٩٣).
(٢) «التاج والإكليل» (٥/ ١١١)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٧٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٦٤)، و «تحبير المختصر» (٥/ ١١٢، ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>