وقَدِ اختُلِفَ فيما وقعَ في كِتابِ حَريمِ البِئرِ مِنْ المُدوَّنةِ مِنْ قَولِ مالِكٍ إذا كانَتْ لِرَجُلٍ أرضٌ فلا بَأْسَ أنْ يَمنَعَ كَلَأَها إذا احتَاجَ إلَيها، وإلَّا فلْيُخَلِّ بينَ النَّاسِ وبَينَه، ومِن قَولِه فيه: لا بَأْسَ أنْ يَبيعَ الرجُلُ خِصبَ أرضِه مِمَّنْ يَرعاه عامَهُ ذلك، بعدَ أنْ يَبُتَّ، ولا يَبيعُه عامَيْنِ، ولا ثَلاثةً، فقيلَ: إنَّ ذلك اختِلافٌ مِنْ قَولِه، مَرَّةً رَأى أنَّ لِلرجُلِ أنْ يَبيعَ خِصبَ أرضِه، كانَ قد وَقَفَها لِلمَرعَى، أو لَم يَقِفْها لَه، مثلَ قَولِ ابنِ الماجِشونِ، ومَرَّةً رَأى أنَّه لَيسَ له أنْ يَبيعَه، كانَ قد وَقَفَ الأرضَ لِلمَرعَى أو لَم يَقِفْها لَه، مثلَ قَولِ أشهَبَ، وقيلَ: لَيسَ ذلك اختِلافًا مِنْ قَولِه، ومَعناه أنَّه فَرَّقَ في ذلك بينَ الأرضِ التي وَقَفَها لِلمَرعَى والتي لَم يَقِفْها لَه، مثلَ قَولِ ابنِ القاسِمِ، وهو تَأويلُ عيسَى ابنِ دِينارٍ في نَوازِله بعدَ هذا مِنْ هذا الكِتابِ (١).
المَسألةُ الخَامِسةُ: إجارةُ دارٍ يَتَّخِذُها مَسجِدًا:
اختَلفَ الفُقهاءُ في الرجُلِ يُؤجِّرُ دارَه لِتَكونَ مَسجِدًا يُصَلِّي فيه المُسلِمونَ، هَلْ يَجوزُ أو لا؟
فذهبَ جُمهورُ الفُقهاءِ، المالِكيَّةُ والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه يَجوزُ لِلرجُلِ أنْ يُؤجِّرَ دارَه لِمَنْ يَتَّخِذُها مَسجِدًا مدَّةً مَعلومةً ثم تَعودَ إليه مِلْكًا؛ لأنَّ هذه مَنفَعةٌ مُباحةٌ يُمكِنُ استيفاؤُها مِنْ العَينِ مع بَقائِها، فجازَ استِئجارُ العَينِ لَها؛ كالسُّكنَى، ولأنَّه فعلَ قُربةً، فجازَ أنْ تَستَأجِرَ الدَّارَ لِمَنفَعةٍ فيها،
(١) «البيان والتحصيل» (١٠٢٤٥، ٢٤٧)، و «التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب» (٧/ ٢٧٥، ٢٧٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute