للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحَلفُ بحقِّ اللهِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ فيمن حلَفَ بحقِّ اللهِ هل هي يَمينٌ تُكفَّرُ أم ليسَت بيَمينٍ ولا كَفارةٍ فيها إنْ حنِثَ صاحبُها؟

فذهَبَ الإمامُ أَبو حَنيفةَ ومُحمدُ بنُ الحَسنِ الشَّيبانِيُّ وأَبو يُوسفَ في رِوايةٍ إلى أنَّه لا كَفارةَ فيه لأنَّه ليسَ بيَمينٍ لأنَّ حقَّ اللهِ على عِبادِه الطَّاعاتُ كما فسَّرَ رَسولُ اللهِ في قولِه لمُعاذٍ: «أَتدرِي ما حقُّ اللهِ تَعالى على عِبادِه أنْ يَعبدُوه ولا يُشرِكوا به شيئًا» (١) والحَلفُ بعِبادةِ اللهِ وطاعَتُه لا يَكونُ يَمينًا.

ولو قالَ: والحقُّ يَكونُ يَمينًا لأنَّ الحقَّ مِنْ أَسماءِ اللهِ تَعالى قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥)[النور: ٢٥] وقيلَ: إنْ نَوى به اليَمينَ يَكونُ يَمينًا وإلا فلا لأنَّ اسمَ الحقِّ كما يُطلَقُ على اللهِ تَعالى يُطلَقُ على غيرِه فيَقفُ على النِّيةِ (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ وأَبو يُوسفَ في رِوايةٍ والحَنابِلةُ إلى أنَّ مَنْ حلَفَ بحقِّ اللهِ بأنْ قالَ: «وحقِّ اللهِ لا أَفعلُ كذا» فهي يَمينٌ مُكفَّرةٌ تَجبُ فيها الكَفارةُ إذا حنِثَ لأنَّها يَمينٌ في عُرفِ اللُّغةِ والشَّرعِ؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ يَعقلُ عن قَصدِ الحالِفِ بها ما يَعقِلُ مِنْ قولِه «وعزَّةِ اللهِ وقُدرةِ اللهِ»؛ فوجَبَ أنْ يَكونَ يَمينًا، ولأنَّ حقَّ اللهِ صِفةٌ لذاتِه؛ لأنَّ مَعناها استِحقاقُه على عِبادِه طاعتَه، وذلك


(١) أخرجه البخاري (٢٧٠١).
(٢) «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٢٤٠)، و «المبسوط» (٨/ ١٣٤)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ٧)، و «الهداية» (٢/ ٧٣)، و «الاختيار» (٤/ ٦٢)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>