للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالةُ الأُولى: إذا بذَلَتْ زَوجةُ الغائبِ نفسَها لزَوجِها قبلَ غَيبتِه:

نَصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ في الصَّحيحِ عندَهم والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ على أنَّ الزوجةَ إذا بذَلَتْ نفسَها لزَوجِها وسلَّمَتْ نفسَها إليه تَسليمًا تامًّا وهو حاضِرٌ وامتَنعَ مِنْ تَسلُّمِها ثمَّ غابَ فإنه يَجبُ عليه نَفقتُها، ولا يَسقطُ ذلكَ بغَيبتِه (١).

قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : لو كانَ الزَّوجُ غائبًا فطلَبَتِ المرأةُ مِنْ القاضِي أنْ يَفرضَ لها عليهِ نَفقةً لم يَفرضْ وإنْ كانَ القاضِي عالِمًا بالزَّوجيةِ، وهذا قَولُ أبي حَنيفةَ الآخِرِ، وهو قَولُ شُريحٍ، وقد كانَ أبو حَنيفةَ أولًا يَقولُ -وهو قَولُ إبراهيمَ النخَعيِّ-: أنَّ هذا ليسَ بشَرطٍ، ويَفرضُ القاضِي النَّفقةَ على الغائِبِ.

وحُجةُ هذا القولِ ما روينَا عن رَسولِ اللهِ أنه قالَ لهِندَ امرأةِ أبي سُفيانَ: «خُذِي مِنْ مالِ أبي سُفيانَ ما يَكفيكِ وولَدَكِ بالمَعروفِ»، وذلكَ مِنْ النبيِّ كانَ فَرضًا للنَّفقةِ على أبي سُفيانَ وكانَ غائبًا.

وحُجةُ القَولِ الأخيرِ أنَّ الفرضَ مِنْ القاضي على الغائِبِ قَضاءٌ عليهِ، وقد صَحَّ مِنْ أصلِنا أنَّ القَضاءَ على الغائِبِ لا يَجوزُ إلا أنْ يكونَ عنه خَصمٌ حاضِرٌ ولم يُوجَدْ.


(١) «الجوهرة النيرة» (٥/ ٦٢)، و «مختصر الوقاية» (١/ ٤٤٤)، و «اللباب» (٢/ ١٦٩)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>