للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما تُفارِقُ التَّنفُّسَ بأنَّ فيها صَوتًا، وإبطالُ الصَّلاةِ بمُجرَّدِ الصَّوتِ إثباتُ حُكمٍ بلا أصلٍ ولا نَظيرٍ.

وأيضًا جاءَت أحادِيثُ بالنَّحنَحَةِ والنَّفخِ. وأيضًا الصَّلاةُ صَحيحةٌ بيَقينٍ فلَا يَجوزُ إبطالُها بالشَّكِّ (١).

٤ - البُكاءُ في الصَّلاةِ:

اختَلفَ الفُقهاءُ في البُكاءِ، هل يُبطِلُ الصَّلاةَ أو لا؟

فذَهب الأئمَّةُ الثَّلاثةُ، أبو حَنيفَةَ ومالِكٌ وأحمدُ إلى أنَّ البُكاءَ إذا كانَ مِنْ خَشيةِ اللهِ تَعالَى، أو ذكرِ الجَنَّةِ أو النَّارِ، لم تبطُل صَلاتُه، وإن كانَ مِنْ وَجَعٍ في بَدنِه أو مُصيبةٍ في مالِه وأهلِه، بطَلت صَلاتُه. وذلك لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: ١٠٩]، وقالَ: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨]، ففيه الدِّلالةُ على أنَّ البُكاءَ في الصَّلاةِ من خَوفِ اللهِ لا يَقطعُ الصَّلاةَ؛ لأنَّ اللهَ تَعالى قد مدَحَهُم بالبُكاءِ في السُّجودِ، ولم يُفَرِّق بينَ سُجودِ الصَّلاةِ وسُجودِ التِّلاوةِ وسَجدَةِ الشُّكرِ.

ولقولِه تَعالى: ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: ١٠٩]، يَعني به بُكاءَهم في حالِ السُّجودِ، فهو يَزيدُهُم خُشوعًا إلى خُشوعِهم.

ورَوى مُطَرِّفُ بنُ عَبد اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ عن أبيه قالَ: «أَتَيتُ النَّبيَّ وهو يُصلِّي، وَلِجَوفِه أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرجَلِ، يَعني يَبكِي» (٢).


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٢/ ٦٢١، ٦٢٣)، و «التَّمهيد» (٢٢/ ١٣٤)، و «المغني» (٢/ ٢٤٧)، و «تفسير القُرطبي» (١٠/ ٣٤٢)، و «عُمدةُ القاري» (٥/ ١٩٠).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبوداود (٩٠٤)، والنسائي (١٢١٤)، وأحمد (٤/ ٢٥، ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>