للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإِمامُ ابنُ رُشدٍ القُرطُبيُّ : واختلَفوا كما قُلنا إذا أَجازَها الوَرثةُ، فقالَ الجُمهورُ: تَجوزُ، وقالَ أهلُ الظاهِرِ والمُزنِيُّ: لا تَجوزُ.

وسَببُ الخِلافِ هل المَنعُ لعِلةِ الوَرثةِ أو هو عِبادةٌ، فمَن قالَ: عِبادةٌ قالَ: لا تَجوزُ، وإنْ أَجازَها الوَرثةُ، ومَن قالَ بالمَنعِ لحَقِّ الوَرثةِ أَجازَها إذا أَجازَها الوَرثةُ، وتَردُّدُ هذا الخِلافِ راجِعٌ إلى تَردُّدِ المَفهومِ من قَولِه : «لا وَصيةَ لوارِثٍ»، هل هو مَعقولُ المَعنى أو ليسَ بمَعقولٍ (١).

فائِدةُ الخِلافِ:

قالَ ابنُ قُدامةَ : وفائِدةُ الخِلافِ أنَّ الوَصيةَ إذا كانَت صَحيحةً فإِجازةُ الوَرثةِ تَنفيذٌ وإِجازةٌ مَحضةٌ يَكفي فيها قَولُ الوارِثِ: «أجَزتُ أو أمضَيتُ أو نفَّذتُ»، فإذا قالَ ذلك لزِمَت الوَصيةُ.

وإنْ كانَت باطِلةً كانَت الإِجازةُ هِبةً مُبتدأَةً تَفتقِرُ إلى شُروطِ الهِبةِ من اللَّفظِ والقَبولِ والقَبضِ كالهِبةِ المُبتدَأةِ، ولو رجَعَ المُجيزُ قبلَ القَبضِ فيما يُعتبَرُ فيه القَبضُ صَحَّ رُجوعُه (٢).

إلا أنَّ الفُقهاءَ الذين أَجازوها إذا أذِنَ الوَرثةُ اختلَفوا هل تَكونُ ابتِداءً عَطيةً منهم أو تَنفيذًا لوَصيةِ المُوصي؟

فذهَبَ المالِكيةُ في المُعتمَدِ والشافِعيةُ في قَولٍ وهو قَولٌ للحَنابِلةِ إلى أنَّ الوَرثةَ إذا أَجازوها للوارِثِ فهي ابتِداءُ عَطيةٍ منهم، لا تَنفيذٌ لوَصيةِ


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٢٥١).
(٢) «المغني» (٦/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>