للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَسألةُ الثَّانيةُ: إجارةُ الحَيَوانِ لِأخْذِ لَبنِه أو صُوفِه وشَعرِه:

اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ، الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشَّافعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يَجوزُ استِئجارُ حَيَوانٍ لِيَأخُذَ لَبنَهُ؛ كالإبِلِ والبَقرِ والغَنَمِ ونَحوِها، كأنْ يَقولَ الإنسانُ: أستَأجِرُ بَقَرَتكَ مدَّةَ الشِّتاءِ بكَذا؛ لِأخْذِ لَبنِها.

وَكَذا إذا قُلتَ لَهُ: أشتَرِي لَبنَها مدَّةَ الشِّتاءِ بكَذا، وكُلفَتُها مِنْ عِندِي، فإذا انقَضَى الشِّتاءُ رَدَدْتُها إلَيكَ، كَما يَقَعُ ذلك عِندَنا بمِصرَ.

وَأخْذُ الصُّوفِ والشَّعرِ والوَبَرِ؛ كاللَّبنِ، إلَّا في الظِّئرِ؛ فإنَّه يَجوزُ بالإجماعِ، وقَد تَقدَّمَ؛ لأنَّ المَعقودَ عليه في الإجارةِ النَّفعُ، والمَقصودُ هُنا العَينُ، وهي لا تُمَلَّكُ، ولا تُستحَقُّ بإجارةٍ؛ لأنَّ فيه استيفاءَ العَينِ قَصدًا.

قالَ الحَنفيَّةُ: الإجارةُ بَيعُ المَنفَعةِ؛ فلا تَجوزُ إجارةُ الشَّاةِ لِلَبنِها، أو سَمْنِها، أو صُوفِها، أو وَلَدِها؛ لأنَّ هذه أعيانٌ؛ فلا تُستحَقُّ بعَقدِ الإجارةِ، وكَذا إجارةُ الشَّاةِ لِتُرضِعَ جَدْيًا أو صَبيًّا؛ لِمَا قُلْنا (١).

وقالَ المالِكيَّةُ: لا يَجوزُ استِئجارُ شَاةٍ لِأخْذِ لَبنِها أو صُوفِها أو نِتاجِها، لأنَّه بَيعَ عَينٍ قبلَ الوُجودِ، إلَّا أنَّهم قالوا: لا يَكونُ شِراءُ لَبنِ الشَّاةِ مَمنوعًا مُطلَقًا بَلْ تارةً يَكونُ مَمنوعًا، وتارةً يَكونُ جائِزًا بشُروطٍ عَشَرةٍ:

إنِ اشتَراه جُزافًا، كَأنْ يَقولَ لِذي أغنامٍ كَثيرةٍ: أشتَري مِنْكَ لَبنَ شاةٍ أو اثنَتَيْنِ مِنْ هذه الشِّياهِ، آخُذُه كلَّ يَومٍ مدَّةَ شَهرٍ، فلا بدَّ في الجَوازِ مما يلي:

١ - أنْ تَكونَ الشِّياهُ المُشترَى لَبنُها قَليلةً.


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>