اتَّفقَ فُقهاءُ المَذاهبِ الأربَعةِ على أنَّ أهلَ الهُدنةِ والصُّلحِ من الكُفارِ إذا قاتَلُوا المُسلِمينَ انتقَضَ عَهدُهم إذا كانَ بإذنِ الإمامِ، أو قاتَلْنا جَماعةٌ من الكُفارِ وعلِمَ إمامُهم بهذا.
فإنْ خرَجَ جَماعةٌ منهم لقِتالِنا ففيه تَفصيلٌ بينَ المَذاهبِ.
قالَ الحَنفيةُ: إنْ خرَجَ قَومٌ من دارِ المُوادَعةِ بإذنِ الإمامِ وقطَعوا الطَّريقَ في دارِ الإسلامِ انتقَضَ عَهدُهم؛ لأنَّ إذْنَ الإمامِ بذلك دِلالةُ النَّبذِ.
ولو خرَجَ قَومٌ من غيرِ إذنِ الإمامِ فقطَعوا الطَّريقَ في دارِ الإسلامِ؛ فإنْ كانُوا جَماعةً لا مَنَعةَ لهم لا يَكونُ ذلك نَقضًا للعَهدِ؛ لأنَّ قَطعَ الطَّريقِ بلا مَنَعةٍ لا يَصلُحُ دِلالةً للنَّقضِ؛ لأنَّ هؤلاء غيرُ مُمتنِعينَ، ولأنَّ أصحابَهم بصُنعِ هؤلاء غيرُ رَاضينَ، ألَا تَرى أنَّه لو نَصَّ واحِدٌ منهم على النَّقضِ لا يَنتقِضُ كما في الأمانِ المُؤبَّدِ وهو عَقدُ الذِّمةِ.
وإنْ كانُوا جَماعةً لهم مَنَعةٌ فخرَجُوا وفعَلوا ذلك في دارِ الإسلامِ عَلانيةً بغيرِ أمرٍ مِنْ مَلِكِهم وأهلِ مَملَكتِه فهؤلاء ناقِضونَ للعَهدِ؛ لأنَّه ليسَت فائِدةُ العَهدِ إلا تَركَ القِتالِ، فإذا جاهَروا بالقِتالِ مُتقرِّرينَ بمَنَعتِهم كانُوا ناقِضينَ بمُباشَرتِهم ضِدَّ ما هو مُوجِبٌ للمُوادَعةِ.
فأمَّا المَلِكُ وأهلُ مَملكتِه فهُم على مُوادَعتِهم؛ لأنَّهم ما باشَروا سَببَ نَقضِها ولا رَضُوا بصَنيعِ هؤلاء، فلا يُؤخَذونَ بذَنبِ غيرِهم، وإنْ كانُوا خرَجُوا بإذنِ مَلِكِهم فقد نقَضُوا جَميعًا العَهدَ، فلا بأسَ بقَتلِهم وسَبْيِهم