للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ أبو بَكرٍ الجصَّاصُ : ولا خِلافَ بينَ فُقهاءِ الأمصارِ في أنَّ الحِرزَ شَرطٌ في القَطعِ، وأصلُه مِنْ السُّنةِ ما وصَفْنا (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : وهذا قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ، وهذا مَذهبُ عَطاءٍ والشَّعبيِّ وأبي الأسوَدِ الدُّؤليِّ وعُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ والزُّهريِّ وعَمرِو ابنِ دِينارٍ والثوريِّ ومالكٍ والشافِعيِّ وأصحابِ الرأيِ، ولا نَعلمُ عن أحَدٍ مِنْ أهلِ العِلمِ خِلافَهم، إلا قَولًا حُكيَ عن عائِشةَ والحسَنِ والنخَعيِّ فيمَن جمَعَ المتاعَ ولم يَخرجْ به مِنْ الحِرزِ عليه القَطعُ، وعن الحسَنِ مثلُ قولِ الجَماعةِ، وحُكيَ عن داودَ أنه لا يَعتبِرُ الحرزَ؛ لأنَّ الآيةَ لا تَفصيلَ فيها، وهذه أقوالٌ شاذَّةٌ غيرُ ثابتةٍ عمَّن نُقِلتْ عنه.

قالَ ابنُ المُنذِرِ: وليسَ فيه خبَرٌ ثابتٌ ولا مَقالٌ لأهلِ العِلمِ إلا ما ذكَرْناه، فهو كالإجماعِ، والإجماعُ حُجةٌ على مَنْ خالَفَه (٢).

صِفةُ الحِرزِ:

نَصَّ عامَّةُ الفُقهاءِ أنَّ المُحكَّمَ في الحِرزِ هو العُرفُ؛ لأنه يَختلفُ باختِلافِ الأموالِ والأحوالِ والأوقاتِ، فقدْ يكونُ الشَّيءُ حِرزًا في وقتٍ دونَ وقتٍ بحسَبِ صَلاحِ أحوالِ الناسِ وفسادِها وقوَّةِ السُّلطانِ وضَعفِه، وليسَ له حَدٌّ في الشرعِ ولا اللُّغةِ، وما ليسَ له حَدٌّ في الشَّرعِ ولا اللُّغةِ كانَ المَرجعُ في حَدِّه إلى العُرفِ والعادةِ؛ لأنه لمَّا ثبَتَ اعتِبارُه في الشَّرعِ مِنْ غيرِ


(١) «أحكام القرآن» (٤/ ٦٦).
(٢) «المغني» (٩/ ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>