اختَلفَ الفُقهاءُ فيما لو وصَلَ اللبنُ إلى الطِّفلِ عن طَريقِ الاحتِقانِ -وهو ما يَدخلُ مِنْ الدُّبرِ أو القُبلِ-، هل يُحرِّمُ أم لا؟
فذهَبَ الشافِعيةُ في مُقابلِ الأظهَرِ وابنُ حامِدٍ وابنُ أبي مُوسَى مِنْ الحَنابلةِ إلى أنه يُحرِّمُ؛ لأنه سَبيلٌ يَحصلُ بالواصلِ منه الفِطرُ، فتَعلَّقَ به التَّحريمُ كالرضاعِ.
وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في الأظهَرِ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ وُصولَ اللبنِ إلى الطفلِ عن طَريقِ الحُقنةِ لا يُحرِّمُ، ولا تَأثيرَ له ولو خمْسَ مرَّاتٍ؛ لأنَّ هذا ليسَ برَضاعٍ ولا يَحصلُ به التغذِّي، فلَم يَنشُرِ الحرمةَ كما لو قُطِّرَ في إحليلِه، ولأنه ليسَ برَضاعٍ ولا في مَعناهُ، فلَم يَجُزْ إثباتُ حُكمِه فيه، ويُفارِقُ فطْرَ الصائمِ؛ فإنه لا يُعتبَرُ فيه إنباتُ اللحمِ ولا إنشازُ العَظمِ، وهذا لا يُحرِّمُ فيه إلا ما أنبَتَ اللحمَ وأنشَزَ العَظمَ، ولأنه وصَلَ اللبنُ إلى الباطنِ مِنْ غيرِ الحَلقِ، أشبَهَ ما لو وصَلَ مِنْ جُرحٍ.
ولأنَّ المُعتبَرَ في هذهِ الحُرمةِ هو معنَى التغذِّي، والحُقنةُ لا تَصلُ إلى مَوضعِ الغِذاءِ؛ لأنَّ مَوضعَ الغذاءِ هو المَعدةُ، والحُقنةُ لا تَصلُ إليها، فلا يَحصلُ بها نَباتُ اللَّحمِ ونُشوزُ العَظمِ واندِفاعُ الجوعِ، فلا تُوجبُ الحُرمةَ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ٩)، و «مختصر الوقاية» (١/ ٣٨٢)، و «النجم الوهاج» (٨/ ٢٠٢)، و «كنز الراغبين» (٤/ ١٥٧)، و «مغني المحتاج» (٥/ ١٣٣)، و «تحفة المحتاج» (١٠/ ١١٦)، و «الديباج» (٣/ ٥٩٨)، و «المغني» (٨/ ١٤٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٦٣٣).