للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقيمًا، ثم بالخُروجِ إلى المَوضِعِ الآخَرِ لا يَصيرُ مُسافِرًا؛ لأنَّ مَوضِعَ إقامَةِ الرَّجلِ حيثُ يَبيتُ فيه، ألَا تَرَى إذا قيلَ للسُّوقِيِّ: أينَ تَسكنُ؟ يَقولُ: في محَلَّةِ كذا، وهو بالنَّهارِ يَكونُ بالسُّوقِ (١).

الشَّريطةُ الثَّالثةُ: صَلاحيةُ المَكانِ لِلإقامةِ:

صرَّحَ الحَنفيةُ بأنَّه يُشتَرطُ لصحَّةِ الإِقامةِ صَلاحيَةُ المَكانِ لِذلك، والمَكانُ الصالِحُ لِلإقامةِ هو مَوضِعُ اللُّبثِ والقَرارِ في العادةِ، نحوَ الأَمصارِ والقُرى، أمَّا المَفازةُ والجَزيرةُ والسَّفينةُ، فليسَت مَوضِعًا لِلإقامةِ، حتى لو نَوى الإِقامةَ في هذه المَواضعِ خَمسَةَ عشَرَ يَومًا، لا يَصيرُ مُقيمًا، كذا رُويَ عن أَبي حَنيفَةَ. ورُويَ عن أَبي يُوسفَ في الأَعرابِ والأَكرادِ والتُّركمانِ إذا نَزَلوا بخِيامِهم في مَوضعٍ، ونَوَوا الإِقامةَ خَمسَةَ عشَرَ يَومًا صارُوا مُقيمِينَ.

وعلى هذا: إذا نَوى المُسافِرُ الإِقامةَ فيه خَمسَةَ عشَرَ يَومًا يَصيرُ مُقيمًا، كما في القَريةِ، ورُويَ عنه -أي: أَبي يُوسفَ- أيضًا أنَّهم لم يَصيروا مُقيمِينَ، فعلى هذا إذا نَوى المُسافِرُ الإِقامةَ فيه لا يَصحُّ.

والحاصِلُ أنَّ هناكَ قَولًا واحدًا عندَ أَبي حَنيفَةَ، وهو: لا يَصيرُ مُقيمًا في المَفازَةِ، ولو كانَ ثَمةَ قَومٌ وطَّنُوا ذلك المَكانَ بالخِيامِ والفَساطِيطِ. وعن أَبي يُوسفَ رِوايَتانِ.


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>