ثانيًا: البيِّنةُ على الإرضاعِ (نِصابُ الشَّهادةِ على الإرضاعِ):
الأمرُ الثَّاني الذي يَثبتُ به الرَّضاعُ البَينةُ، وهذهِ البيِّنةُ هُمْ الشُّهودُ الذين يَشهدونَ بأنَّ فُلانةَ أرضَعَتْ فُلانًا، وقد اتَّفقَ الفُقهاءُ على إثباتِ الرَّضاعِ بالشَّهادةِ.
إلا أنهُم اختَلفُوا في العَددِ الذي يُشترطُ في الشَّهادةِ بالرَّضاعِ؟ وهل للرِّجالِ مَدخلٌ في هذهِ الشَّهادةُ أم لا؟ وهل تُقبلُ شَهادةُ النساءِ فيه مُنفرداتٍ أو لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنه لا تُقبلُ في الرَّضاعِ شَهادةُ النِّساءِ مُنفرداتٍ مِنْ غيرِ أنْ يكونَ معَهنَّ رَجلٌ، فلا تُقبلُ في الشَّهادةِ على الرَّضاعِ امرأةٌ واحِدةٌ، أجنَبيةً كانَتْ أو أمَّ أحَدِ الزَّوجينِ، ولا يُفرَّقُ بينَهُما بقولِها، ويَسعُه المقامُ معَها حتى يَشهدَ على ذلكَ رَجلانِ أو رَجلٌ وامرَأتانِ عُدولٌ، ولا يُقبلُ على الرَّضاعِ أقلُّ مِنْ ذلكَ، ولا شَهادةُ النِّساءِ بانفِرادِهنَّ؛ لأنَّ الرضاعَ ممَّا يَطَّلعُ عليه الرجالِ؛ لأنَّ ذا الرَّحمِ المحرمِ يَنظرُ إلى الثَديِ، وهو مَقبولُ الشَّهادةِ في ذلكَ، ولأنَّ الحُرمةَ كما تَحصلُ بالإرضاعِ مِنْ الثَّدي تَحصلُ بالإيجارِ مِنْ القارُورةِ، وذلكَ يَطلعُ عليه الرجالُ، فلا تُقبلُ فيه شَهادةُ النساءِ وَحدَهنَّ.
وحُجتُنا في ذلكَ حَديثُ عُمرَ ﵁ قالَ:«لا يُقبلُ في الرضاعِ إلا شَهادةُ رَجلينِ أو رَجلٍ وامرَأتينِ»، وكانَ ذلك بمَحضرٍ مِنْ الصحابةِ، ولم يَظهرِ النَّكيرُ مِنْ أحَدٍ، فيَكونَ إجماعًا، ولأنَّ هذا بابٌ ممَّا يطَّلعُ عليه الرِّجالُ، فلا يُقبلُ فيه شَهادةُ النِّساءِ على الانفِرادِ كالمالِ، وإنما قُلنَا ذلكَ لأنَّ الرضاعَ مما يطَّلعُ عليه الرِّجالُ، أمَّا ثَديُ الأمَةِ فلأنهُ يجوزُ للأجانِبِ النظرُ إليهِ، وأمَّا ثَديُ الحُرَّةِ