والحَنفيةُ وإنْ لم يَنصُّوا على هذا صَراحةً كما تَقدَّمَ، إلَّا أنهم لا يُجوِّزونَ إلَّا وقْفَ ما ورَدَ النَّصُّ به أو جَرى به التَّعاملُ، فالأصلُ عندَهُمْ عَدمُ جَوازِ وَقفِ المَنقولِ إلَّا تَبعًا، أو ما جَرى فيهِ تَعاملُ الناسِ.
قالَ الزَّيلعيُّ ﵀: قالَ الشافِعيُّ: يَجوزُ وَقفُ كلِّ ما يَجوزُ بَيعُه ويُمكِنُ الانتفاعُ به مع بَقاءِ عَينِه؛ قِياسًا على الكُراعِ والسِّلاحِ.
قُلنَا: الأصلُ عَدمُ جَوازِ الوَقفِ، فيَقتصِرُ على مَورِدِ الشَّرعِ وهو العَقارُ والكُراعُ والسِّلاحُ، فبَقيَ ما وَراءَه على أصلِ القِياسِ إلَّا ما جَرى التَّعاملُ فيه، فصارَ كالدَّراهمِ والدَّنانيرِ (١).
زَكاةُ العَينِ المَوقوفةِ:
قَدْ تَقدَّمَ في كِتابِ الزَّكاةِ مِنْ كِتابِنا هذا أنَّ مِنْ شُروطِ الزَّكاةِ كونَ المالِ مَملوكًا لمُعيَّنٍ، وعليه تَكلَّمَ الفُقهاءُ في حُكمِ زَكاةِ العينِ المَوقوفةِ، هل تَجبُ فيها زَكاةٌ إذا بلَغَتِ النِّصابَ وحالَ عليها الحَول أم لا؟
فالحَنفيةُ قالُوا: لا تَجبُ فيها الزَّكاةُ مُطلَقًا، والمالِكيةُ أوجَبُوا فيها الزَّكاةَ سَواءٌ كانتْ لمُعيَّنٍ أو غيرِ مُعيَّنٍ، والشافِعيةُ والحَنابلةُ فصَّلُوا، فأوجَبُوها -على تَفصيلٍ عندَهُم- في المُعيَّنِ، ولم يُوجِبُوها إذا كانَتْ وَقفًا على غيرِ مُعيَّنٍ.