إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفوا إذا رَماها بالزِّنا ولم يُلاعِنْ، هل يَجبُ عليه الحَدُّ أم لا؟ وكذا إذا رَمَاها وأَبَتِ المَرأةُ اللِّعانَ، هل يُقامُ عليها الحَدُّ أم لا؟
وبَيانُ ذلكَ في مَسألتَينِ:
المسألةُ الأُولى: هل يَجبُ على الزَّوجِ الحَدُّ إذا قذَفَ زوْجَتَه أم لا؟
اتَّفقَ الفُقهاءُ على أنَّ الزوجَ إذا قذَفَ زَوجتَه ولاعَنَ أنه لا شَيءَ عليه كما تَقدَّمَ.
إلا أنهمُ اختَلفوا فيما لو قذَفَ زَوجتَه ولَم يُلاعِنْ، هلْ يُحَدُّ حَدَّ القَذفِ؟ أم يُحبَسُ حتى يُلاعِنَ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّ الزوجَ إذا قذَفَ زَوجتَه وجَبَ عليه اللِّعانُ، وللمَرأةِ أنْ تُخاصِمَه إلى الحاكِمِ وتُطالبَه باللِّعانِ، وإذا طالَبَتْه يُجبِرُه عليه، ولو امتَنعَ يُحبَسُ لامتِناعِه عنِ الواجِبِ عليه كالمُمتنِعِ مِنْ قَضاءِ الدَّينِ، فيُحبَسُ حتى يُلاعِنَ أو يُكذِّبَ نفسَه، وكذا إذا التَعَنَ الرَّجلُ تُجبَرُ المَرأةُ عَلى اللِّعانِ، ولو امتَنعَتْ تُحبَسُ حتى تُلاعِنَ أو تُقِرَّ بالزنا؛ لقَولِه تَعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ﴾ [النور: ٦]، أي: فلْيَشهَدْ أحَدُهم أربَعَ شَهاداتٍ باللَّهِ، جعَلَ ﷾ مُوجَبَ قَذفِ الزَّوجَاتِ اللِّعانَ، فمَن أوجَبَ الحَدَّ فقدْ خالَفَ النصَّ، ولأنَّ الحَدَّ إنما يَجبُ لظُهورِ كَذبِه في القَذفِ، وبالامتِناعِ مِنْ اللعانِ لا يَظهرُ كِذبُه؛